المنشور

قراءة مواطن للرؤية الاقتصادية‮ (٣ ‬ـ ‮٤)‬

بعد مناقشتنا في‮ ‬الحلقة الثانية مقولة‮ « ‬لا‮ ‬يمثل البحريني‮ ‬الاختيار الأمثل للقطاع الخاص‮» ‬وعرضناها كحلقة مفرغة بالإمكان تجاوزها متى ما تم سد تلك الثغرة والحجج‮  ‬والانتقال برؤية الرأسمال المحلي‮ ‬إلى مرحلة الرأسمالية الإنتاجية والصناعية‮ ‬،‮ ‬فليس الأجر المتدني‮ ‬يمنحك إنتاجية عالية حتى وان تذرعنا بالمهارات‮ ‬،‮ ‬بعد أن تمكنا مهنيا توفير تلك المهارات الناقصة في‮ ‬سوق العمل‮. ‬
الحجج قابلة للمناقشة ولكل معضلة حلول ومخارج‮  ‬،‮ ‬بشرط أن‮ ‬يقبل الجميع تسويتها بشكل مرض وعادل في‮ ‬عالم‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نعرف طبيعته الرأسمالية وأي‮ ‬نظام سياسي‮ ‬نحن فيه ومدى إمكانية تحقيق الأهداف‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬مرحلتها ونضوج تلك المرحلة في‮ ‬تقبل كل نوع من المطالب والأهداف‮ . ‬أطراف المعادلة في‮ ‬الصراع هنا ثلاثة الحكومة والقطاع الخاص والمواطنون‮ ‬،‮ ‬وهم هدف الرؤية ومرتكزها الحيوي‮ . ‬وتعرضت الوثيقة باعتراف واضح إن هذه العلاقة بين أطراف متناقضة تشكل خلالا‮ ‬،‮ ‬وينبغي‮ ‬معالجته لكي‮ ‬نضمن استدامة الازدهار والتنمية لاقتصادنا‮ ‬،‮ ‬وعلينا باستمرار البحث عن علاجات ناجعة لتخطى الإشكاليات المحتملة والممكنة كما خبرتها الساحة السياسية البحرينية‮ . ‬
وإذا ما تم تخطي‮ ‬الإشكاليات السياسية‮ ‬،‮ ‬فإن البحث عن بدائل وخيارات اقتصادية لتنويع مصادر دخلنا تصبح أكثر من ضرورة حياتية واقتصادية لتلك التحولات في‮ ‬عصر العولمة،‮ ‬هذا التنويع ونمذجة الاقتصاديات المتنوعة في‮ ‬نظام سياسي‮ ‬واحد‮ ‬يفتح أسئلة مصيرية تحتاج إلى وقفة شجاعة‮ ‬،‮ ‬خاصة وان الرؤية بالعمق‮ ‬،‮ ‬تطرح مشروعا‮ ‬يركز على مستقبل مرحلة ما بعد النفط‮ ‬،‮ ‬فهذه الرؤية تؤسس لمقدمات تلك المرحلة القادمة ولجيل ولد مع الميثاق وسوف‮ ‬يترعرع مع الرؤية‮ ‬،‮ ‬وهو المعني‮ ‬بتلقي‮ ‬مهارات جديدة لاقتصاد متنوع وعال الكفاءة قادر على المنافسة الدولية في‮ ‬سوق عمل عالمي‮ ‬مفتوح الأبواب‮ . ‬فهل بإمكان اقتصاد ريعي‮ ‬يعتمد على دخل النفط قادر على الحياة والاستمرارية أم انه بات‮ ‬يدرك أن تلك الطاقة عرضة للنضوب وعرضة للتبديل لأسباب لسنا بصددها حاليا‮ ‬،‮ ‬ولكن المؤشرات العالمية جميعها تؤكد بحث المجتمع الإنساني‮ ‬عن بدائل طاقة نظيفة‮ ‬،‮ ‬والبحوث والدراسات جارية ومتواصلة في‮ ‬هذا المجال‮ ‬،‮ ‬وقد قطعت شوطا من التقدم‮ ‬،‮ ‬وسيكون جيل الرؤية أول من سيحصد ثمارها‮ ‬،‮ ‬فليس من المستغرب خلال عقدين‮ ‬،‮ ‬أن تتحرك السيارات ببطاريات كهربائية في‮ ‬شوارعنا‮ ! ‬وان على القطاع الخاص أن‮ ‬يلعب دورا فعالا ومحفزا في‮ ‬العملية الإنتاجية دون خوف وتردد‮ . ‬يبدو أن الرؤية بمنحها القطاع الخاص وتوسيع رقعة الطبقة الوسطى الحالية والقادمة‮ ‬،‮ ‬أمر حميد‮ ‬،‮ ‬ولكن هذا العطاء الممنوح أو القسري‮ ‬بفعل واقع السوق ودورة الاقتصاد العالمي‮ ‬المتقلب‮ ‬،‮ ‬هل‮ ‬يجعلنا نتكلم بكل مصداقية إن لهذا القطاع أسئلته ومخاوفه وحقوقه‮ ‬،‮ ‬سواء كان القطاع الخاص أجنبيا أو محليا‮ ‬،‮ ‬غير أن المحلي‮ ‬مصدر نقاشنا هنا‮ ‬،‮ ‬هو أحقية تدخله الضروري‮ ‬في‮ ‬شراكة سياسية متكاملة‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬كل العملية المجتمعية‮ ‬،‮ ‬بحيث نجده فاعلا في‮ ‬الحياة السياسية بشكل ايجابي‮ ‬،‮ ‬بل ونجده في‮ ‬مجلسنا النيابي‮ ‬بقوته ونوابه كتيار مؤثر في‮ ‬صنع التشريعات والقرارات‮ ‬،‮ ‬فالمسألة ليست فقط توفير مناخ صحي‮ ‬وقانوني‮ ‬للاستثمارات الأجنبية للقطاع الخاص‮ ‬،‮ ‬وإنما بجعل قطاعنا الخاص أساسيا في‮ ‬عملية الحراك الاجتماعي‮ ‬والسياسي‮ ‬،‮ ‬بدلا من هامشيته ومخاوفه التي‮ ‬غرزت في‮ ‬وجدانه خلال العقود الأربعة الأخيرة فظل متفرجا ومترددا‮ ‬يؤثر السلامة وبعيدا عن الصدام‮ ‬،‮ ‬ولكي‮ ‬ننقله بسلام في‮ ‬تلك السكة‮ ‬يحتاج إلى تطمينات مستمرة لدخوله في‮ ‬اللعبة الاقتصادية‮ ‬،‮ ‬التي‮ ‬ما زال‮ ‬يخشى دخولها بالكامل وبقوة‮ .‬
‮ ‬وبما أن الحديث في‮ ‬هذه الحلقة تصب مناقشتها في‮ ‬القطاع الخاص وتنوع مصادر الدخل‮ ‬غير النفطي‮ ‬،‮ ‬فان المبادرة والابتكار كما تقول الوثيقة مهمة‮ ‬،‮ ‬ولن‮ ‬يستطيع صنع الإبداع والابتكار جهاز بيروقراطي‮ ‬تقليدي‮ ‬في‮ ‬بنية الحكومة‮ ‬،‮ ‬فعادة الرأسمال الخاص هو من‮ ‬يطلق حوافز العمل الإبداعي‮ ‬أكثر من‮ ‬غيره‮ ‬،‮ ‬فإلى جانب فكرة تطوير منابع الاقتصاديات الصناعية والمعرفية ذات التقنية العالية بقيمته المضافة‮ ‬،‮ ‬سيكون على عاتقه مهمات تطوير مجال اقتصاد الخدمات المالية والسياحية‮ ‬،‮ ‬فهل نترك له حرية أوسع مما هو سائد أم نجد أفكارا متشددة تقف في‮ ‬كل لحظة عرضة للتطوير والتقدم والازدهار الاقتصادي‮ ‬تحت حجج حماية مجتمعنا وواقعنا وبيئتنا المحافظة من الانحراف وغيرها من التصنيفات والمعايير الأخلاقية‮ .‬
‮ ‬فلا‮ ‬يمكن للقطاع السياحي‮ ‬والفندقي‮ ‬أن‮ ‬يزدهر تحت مظلة ذهنية متشددة،‮ ‬وهذا لا‮ ‬يعني‮ ‬أننا نناقش مسائل مبتذلة‮ ‬،‮ ‬فلا‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينجح مشروع سياحي‮ ‬وفندقي‮ ‬بدون الرفاهية فالسياحة والفندقة‮ « ‬صناعة حضارية بطبيعتها‮ » ‬تعتمد على تلك الجوانب فليس‮ ‬غرف الفنادق الراقية لرجال أعمال عابرين والسلام وحسب‮ ‬،‮ ‬فهناك أنشطة ترفيهية‮ ‬يحتاجها النزيل والساكن‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬بلد‮ ‬يقدم له كل مستلزمات الراحة والرفاهية‮ . ‬وإذا ما وجد القطاع الخاص الفندقي‮ ‬والسياحي‮ ‬كل‮ ‬يوم منغصات وتدمير سمعة البحرين بمواقف متهورة ودون مسؤوليات‮ ‬،‮  ‬فكل ذلك لا بد وان‮ ‬يتم تسويته بكل وضوح قانونيا ومهنيا لكي‮ ‬يجد القطاع الخاص والمستثمر الأجنبي‮ ‬طريقه للمملكة‮ ‬،‮ ‬لتطويرها خدماتيا بحيث تصبح سلسلة دول مجلس التعاون متكاملة بمرافقها الخدماتية‮ ‬،‮ ‬فمشروع قطاع الحركة السياحية سيكون متكاملا أيضا كاقتصاد جديد للمنطقة‮ . ‬
لا‮ ‬يوجد اخطر على الاستقرار الأمني‮ ‬والسياسي‮ ‬من‮ ‬غياب الوضوح والتوافق الاجتماعي‮ ‬وتحديد المسؤوليات والواجبات والحقوق‮ ‬،‮ ‬فالرؤية قلقة حيال تلك الحالة الملتبسة والتحديات القائمة‮ ‬،‮ ‬رغم تقديمها أقصى ما‮ ‬يمكن من مؤشرات ايجابية للمواطن والوطن والازدهار المعيشي‮ ‬لانتشال البحرين من وضعها المتراجع‮ ‬،‮ ‬مع العلم أن لدى البحرين طاقتها‮  ‬ومقوماتها للنهوض والقدرة على ان‮ ‬يكون لها موضع في‮ ‬الخارطة العالمية‮ . ‬

صحيفة الايام
7 ديسمبر 2008