المنشور

وزارة الداخلية وقرار القضاء


في ظل الدورات الكثيرة التي نفذتها وزارة الداخلية لمنتسبيها بشأن أهمية حقوق الإنسان، وإدانة نحو 23 منتسباً لها بجرائم تمس حقوق المتهمين – كما قالت الوزارة، وفي ظل توجه الدولة نحو تحسين صورتها أمام الرأي العام الدولي وتأكيد احترامها لكل الاتفاقات والمعاهدات الدولية الكفيلة بحق كرامة بني البشر، مازالت الوزارة تمارس دوراً أقل ما يوصف بأنه غريب في تصرفاتها مع متهمي حرق الجيب في كرزكان.

شهر كامل مضى على قرار رئيس المحكمة الكبرى الجنائية برئاسة القاضي الشيخ محمد بن علي آل خليفة الذي أمر في جلسة 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وزارة الداخلية بنقل متهمي كرزكان من سجون إدارة التحقيقات الجنائية (العدلية) إلى توقيفٍ آخر، دون أية خطوة فعلية يمكن أن تحسب للوزارة المعنية بتنفيذ القانون واحترام السلطة القضائية.

ما الذي جعل هيئة الدفاع عن المتهمين تنسحب مؤخراً عن الترافع في القضية، أليس سوء المعاملة التي يتعرض لها المتهمون والذين هم أبرياء حتى تثبت إدانتهم من قبل القضاء، هيئة الدفاع نقلت إلى المحكمة شكوى المتهمين من سوء المعاملة التي يتعرض لها المتهمون في التوقيف.

نعم، يمكننا أن نقول بعد تعمد وزارة الداخلية في عدم تنفيذ قرار المحكمة بنقل المتهمين إلى سجن آخر إن إدعاءات المتهمين وأهاليهم وهيئة الدفاع عنهم تبدو صحيحة بشأن سوء المعاملة والتعذيب، وحتى ما قاله المتهمون في قاعة المحكمة من «أن السجانين يقومون بأمور منها تصوير المتهم عندما يذهب لقضاء حاجة في دورة المياه».

لا أستغرب أن تقوم وزارة الداخلية بالرد على هذا المقال بنفي ما جاء فيه من سوء معاملة وتعذيب جملةً وتفصيلاً، وتكرار مقولة الأجهزة الرسمية ضمن ردودهم المعلبة دائماً أنه كان حري بكاتب المقال تحرّي الدقة والأمانة في النقل قبل «الافتراء» على جهة رسمية مناط بها تنفيذ القانون وحماية المواطنين، ولكن كل ما أطلبه هو تفسير من وزارة الأمن بشأن عدم التزامها بقرار المحكمة ونقل المتهمين من توقيف «العدلية» إلى توقيف آخر، وخصوصاً أن هذا التوقيف مُعَد فقط لفترات التحقيق مع المتهمين الذي ينتهي مع رفع القضية إلى القضاء.

من العيب جداً أن نكون في دولة ديمقراطية وحضارية متمدنة لا تستجيب فيها جهة رسمية ذات سيادة لأمر السلطة القضائية، إذ إن هذه الحادثة تُعَدُّ من الأمور المستغربة والتي تعكس مدى تداخل السلطات وعدم تنفيذ قرارات القضاء.

عدم تنفيذ أمر القضاء أمر معيب في حق السلطة القضائية التي صمتت عن لوم وزارة الداخلية وإجبارها على تنفيذ قرارها، كما أنه كسر لهيبة القضاء.
 
الوسط 6 ديسمبر 2008