في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، وفي مجلة ” هنا البحرين ” الأسبوعية ، التي تصدرها وزارة الإعلام ، وكان يشرف على تحرير الصفحات الأدبية فيها الشاعر الأستاذ علي عبدالله خليفة ، كتب الشاعر الأستاذ علي الشرقاوي ، مغاضباً ، مقالاً بعنوان” أين الوجه الآخر للكلمة ؟”، يتساءل فيه ، وبحرقة قلب مخلص ، عن الصمت الذي ران على الساحة الأدبية والفنية بمختلف أنواعها وعلى كل الصعد الحياتية ، التي كان يمر بها الوطن والشعب حينذاك ، فكان ردي آنذاك بعنوان“هذا هو الوجه الآخر للكلمة”، والذي نشرته ذات المجلة بعددها للإسبوع الذي تلاه ، حيث بينت فيه إصرارأصحاب المواهب الواعية ، على الإسهام الفاعل والبنـّاء في عملية التنوير يومذاك.
واليوم ، وقد تعددت وسائل الاتصال، المرئي والمقروء والمسموع، أمسى لزاماً على كل المبدعين الخيّرين، حيث الشعراء الذين يكتبون قصيدة الحياة اليومية جاعلين من الشعر شعوراً مرهفاً يعبر عن تجليات الضمير الإنساني الحي، والمسرحيون الذين يحوّلون المسرح الهادف إلى مدرسة للشعب ، والسينمائيّون والرسّامون والنحّاتون، الذين يعكسون بمرآة فنونهم ، صورة الواقع المعاش، إيجابا ًوسلباً، والإعلاميون، في الإذاعة والتلفزيون والمدوّنات، الذين ينقلون بأمانة كل محسوس وملموس من الأمور، والذين ينظرون ببصيرة النقد البنـّاء، إلى وضع الحلول الناجعة للمشاكل الماثلة وإجتراح كيفية التخلـّص من الأزمات، والمغنـّون الذين ينشدون أعذب ألحانهم وكلمات قلوبهم المفعمة بالإخلاص، في حب وطنهم وشعبهم، ومن أجل غد أفضل.
صحيح إن أيام السبعينات قد ولــّت، وإن مياه كثيرة قد جرت، وإن تطورات وطنية وإقليمية وعربية وعالمية، قد حدثت، فانهارت كتل دولية وأزيلت جدران وحواجز، وتبدلت بعض المفاهيم والمواقف والنظم، لكن الصحيح أيضاً، إن الحرية والانتصار لها والموقف مع المستضعفين ضدالإستغلال، ومع الخير ضد الشر، ومع الإشراق ضد العتمة، ومع السلم ضد الحرب، ما زال وسيبقى إلى الأبد، رهيناً بالمدلول المعرفي لدى الإنسان، لمفهوم الحرية، الذي هو بالتأكيد فهم الضرورة، أي اتخاذ الموقف اللازم، بشروطه الذاتية والموضوعية، لأداء عمل ما في ظرف ما، بوسيلة مشروعة ولهدف مشروع.
إذا كان الصمت، في أحيان كثيرة، أو ما يعبر عنه بالسكوت، نابعاً من موقف أخلاقي، وتترتب على نتائجه منجاة مادية أو معنوية أو كلاهما، انطلاقا من إنـّه(إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، أو:-
فـلـئن نـدمت على سكـوتي مـرة فلـقـد نـدمت على الكـلام مـرارا
ويطول الحديث وتكثر الأمثلة، حول فضيلة الصمت فتتحوّل أحياناً إلى رذيلة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، كما إن كلمة الحق تم إعتبارها خير الجهاد عند الضرورة.
كل أصحاب القلم وما يسطرون، مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بريادة المنافحة عن آلام وآمال الناس وطموحهم المضيء.
عليهم إشعال شموع المعرفة وإستيقاظ النخيل والسباحة في بحر الجرح وصولاً إلى شاطئ الفجر.
إضـــــــــاءة
يا أيها الحرف المبجل…أنت يا خبز الإهابة
سيزول ظلَك…
إن غفوت على جراحك والكآبة
الأرض عطشى …
والمداد الحرّ من طعم السحابة
إنزل فديتك …
واجترح فرحاً…
فبدر الناس قد طال اغترابه
نشرة التقدمي