‘…. هناك رأيت شبحاً هزيلاً يسير منفرداً محدقاً إلى وجه الشمس، فسألته من أنت وما اسمك؟.
قال: اسمي الحرية.
قلت: وأين أبناؤك؟.
قال: واحد مات مصلوباً وواحد مات مجنوناً، وواحد لم يولد بعد، ثم توارى عن عيني وراء الضباب’.
(جبران خليل جبران ـ كتاب ‘العواصف’ ص27)
بالأمس، مرت الذكرى الواحدة والأربعون لاستقلال جنوب اليمن (اليمن الديمقراطي سابقاً) من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني ,1967 وكالعادة احتفل الناس بهذه الذكرى العزيزة على قلوبهم، فشاركوا بفرحتهم في احتفالية في ساحة الهاشمي بمدينة عدن، عاصمة ‘الجنوب السابق ـ لما قبل الوحدة مع الشمال’، وكان رد ‘سلطات الوحدة’ على هذا الاحتفال مغيراً هذه المرة، فصاحبه اعتقالات، وإطلاق رصاص، وقنابل مسيلة للدموع على المشاركين (…).
ثمن الحرية إذاً، رصاص وقنابل جرجرت الناس إلى المعتقلات، بدل مشاركتهم الفرحة!!.. لماذا؟.
ربما، لأن جنوب اليوم الموحد مع الشمال، ليس جنوب أمس كما كان في الجمهورية الديمقراطية المستقلة، وربما الحراك السياسي فيه يزعجهم، وربما يذكرهم بحرب صيف ,1994 وربما بالانفصال.. وربما لشيء ما مخفي، أو لكل الأشياء، ومن ‘صيحات مرتفعة تهدد الوحدة اليمنية وتطالب بانفصال الجنوب عن الشمال’، لكن، وبخلاف كل التبريرات التي تساق، فإن إطلاق رصاصة واحدة على المحتفلين، أو اعتقال أحدهم يظل شيئاً غير مفهوم وغير مقبول في هذا اليوم، يوم التحرر من المستعمر العالق في الذاكرة الوطنية اليمنية والعربية.
نعرف أن اليمن يشهد حراكا سياسيا واجتماعيا، ونعرف أن هذا الحراك ينم عن أن الشعب اليمني حيّ، غير بليد، يرفض غياب المواطنة المتساوية في دولة تدعي صبح مساء، بأنها عصرية تنشر العدل والمساواة، ولكن الذي لا نتفهمه، لماذا لم يطلق الرصاص في الهواء الطلق ابتهاجاً بعيد الاستقلال، بدل توجهه إلى صدور المبتهجين بحريتهم التي نالوها بالتضحيات الجسام؟!، ولماذا يُعتقل المواطنون في هذا اليوم، بدل تكريمهم وتكريم نضالاتهم ضد المستعمر؟!.
صحيفة الوقت
1 ديسمبر 2008