هشامٌ هشامٌ هشامٌ، هشام… هشامٌ صرخة مدوية رفيعة النغمة، عذبة اللحن، لصيقة نبض قلوب الشعب في سمفونية النضال، رحيله المفاجئ المبكر، قد أربك اللحن النضالي، وهز أقصى أعماق الخطاب.
نعمٌ نعمٌ، إنه هشامٌ ساعدٌ متجردٌ من الأهواء والغايات قويٌّ مصهور بالفطرة والسليقة الطبيعية في بوتقة الأخلاق الرفيعة في ساحة العمل.
هشام هشام هشام، هشام، رابط الجأش ثابت المواقف، لا يعرف النطنطة والقفز على مختلف المربعات والأطياف، جرياً وراء البروز الرخيص ليسجل بطولات رخيصة في ظل انتهازية دنيئة وتسلق مخجل على أكتاف شرفاء المناضلين، كلا ولم يكن هشام إلا مقداماً في الشدائد وليس بجبان، يهرب إلى المغربين، كما لا يخاف مصير الشمال لأنه همام؟
إنه لمن الواضح، أن «المسيلميين» لا يدركون ما عسى أن تؤدي إليه أقوالهم «المسيلمية» من معان مؤذية ومضرة بنزاهة تاريخ هشام الشهابي وصدق أمانه الأيديولوجي، وإخلاصه الذي لا يمكن أن يفرط فيه، للطيف الذي ينتمي إليه، لأنه ليس من المنطنطين الذين لا يعرفون الاستقرار وعظمة الانتماء.
ولأن النضال في مفهوم الفلسفة الهشامية الشهابية غاية عليا وهدف سامٍ، وليس بغاية استهلاكية إذا لم يقض من ورائها غاية من غاياته الحمقى انتقل إلى نوع من أنواع نضال يؤدي إلى التخلف.
لأن هشام نموذج متميز ينطلق في مسيرة نضاله من مواقع أقدامه ليتطور في مسيرة النضال وليس بمهم عنده كما الدخلاء المتطفلون على النضال من «المسيلميين» إما أن يكونوا قادة في مسيرة النضال أو لا نضال، لأن النضال عندهم عنتريات، أما أسود أو أبيض. أما النضال التراكمي وحتمية تحوله النوعي فليس له وجود في مداركهم المنغلقة على نفسها.
عند هذا المدى من الاستعراض، يجدر بنا أن نتناول إحدى الإساءات المبتذلة الملفقة المسيئة إلى حبيب نبض الشعب البحريني، وخاصة طبقته العاملة هشام الشهابي.
ففي مرحلة الإعداد والاستعداد من قبل جبهة التحرير الوطني لخوض انتخابات المجلس التأسيسي انضم إلينا الشهيد القائد الرمز محمد بونفور ومعه هشام الشهابي ممثلين للجبهة الشعبية، وظلا يتحركان سويّاً في أول نوع من لقاء تكاملي لم يتخلله أي نوع من المناورات أو محاولات الالتفاف والاحتواء يحدث بين الجبهتين وفي ظل حدث ضخم وانتقالي في تاريخ نضال شعب البحرين ما يوحي ويتطلب كل الحرص على تنمية هذا اللقاء، لأن استمراره وتنميته سوف يؤدي إلى خلق نقلة نوعية في نضال الشعب البحريني.
وظلت الأمور تسير على هذا المنوال حتى قررت جبهة التحرير الوطني مقاطعة الانتخابات التأسيسية لتسجيل مجرد موقف سياسي، هذا القرار قد تحفظ عليه محمد بونفور إلى حدٍّ ما. أما هشام فقد رفضه رفضا قاطعاً، وبرر رفضه، بأنه لا يجوز لنا ترك صياغة الدستور من دون أن نترك عليه أثر بصماتنا، ونسجل مواقفنا المحددة، وكان ردنا على اعتراضاته وتبريراته، هي أن صياغة الدستور ليست بصياغة قرآنية، وإنه يمكن في ظل المسيرة الديمقراطية، أن يتم تقديم مشروع قانون بتعديل الدستور، بقدر ما تتجه الظروف الموضوعية وتطور العملية الديمقراطية، ومدى العمق الاستيعابي لدى جماهير الشعب للتعاطي مع متطلبات الديمقراطية، وتحرره من تأثير المفاهيم السلبية والديموغوجية لمعنى الديمقراطية المفترى عليها والمغلوطة… لحظتها ستكون آثار بصماتنا أكثر اشعاعا على الدستور.
إلا أن هشام ظل مصراً على موقفه من حيث المشاركة… وحيث إن جبهة التحرير الوطني كانت حريصة كل الحرص على أن تحفظ هذا اللقاء الفريد من نوعه وبمستواه بين الجبهتين الرائدتين والفعاليتين في مسيرة نضال الشعب البحريني، دونما أن يمس هذا الالتقاء أي حالة سلبية أو ثلمة قد يتركها موقف هشام المتصلب وإقدامه على دخول انتخابات المجلس التأسيسي منفرداً، عند هذا الموقف الحرج، أبدى الشهيد القائد الرمز محمد بونفور استعداده لإقناع هشام بالموافقة على الانسحاب، وبالفعل خرج من عندنا وكنا مجتمعين نحن الآتية أسماؤنا: إبراهيم سلمان مكي إبراهيم، محمد جابر صباح، سلمان مطر، محمد بونفور، وآخرون في مجلس علي ربيعة نفسه في البيت الحالي للمرحوم والده «جاسم ربيعة». وبالفعل خرج من عندنا محمد بونفور، وتوجه إلى بيت هشام الشهابي، لكنه لم يعد إلينا لأنه أخفق في إقناع هشام بالانسحاب، وفي اليوم الثاني كرر المحاولة لإقناعه وبالفعل عاد إلينا ليخبرنا بموافقة هشام على الانسحاب، وكان الوقت ما بين الساعة العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً.
وقبل أن ننتقل إلى «مسيلمة» وافتراءات أخرى، بعد أن فندنا افتراءات أن هشام «قاد الانسحاب من المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي»، فيما الحقيقة التي لا يمكن لهشام ولا لمحمد بونفور أن يجحداها أو يتنكرا لها أو يخوناها أنهما تعاونا مع جبهة التحرير وساهما كممثلين للجبهة الشعبية، وأنهما من الصدق الآيديولوجي والانتماء العقائدي، بأن يمكن اعتبارهما دون أي قسر أو إزعاج إنهما كيانان أذابا كيانيهما في كيان أشمل هو كيان الجبهة الشعبية، عند هذه اللحظة يصبح من خطل القول بل والفجور والتجني على هشام الشهابي، بأنه كون تجمعا خاصاً باسمه، أطلق عليه التكتل الشهابي لمجرد مقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي.
إنه من الواضح وضوحا مطلقا، أن هذه الحركة التي يدعي «مسيلمة» أن هشام قد قام بها لا يمكن تفسيرها إلا حركة انشقاقية على الجبهة الشعبية، حاشى لهشام أن يقوم بها وألف حاشى لمحمد بونفور أن يؤيدها، لأن هذا الكلام تلقيه من عواهنه دون أن تدرك ما يتركه من معان خطيرة.
ولو أنك أيها المسيلمي صادقاً ونزيها ومتجرداً في توجهاتك للتأريخ ولتاريخ هشام الشهابي، دونما أية غاية في مسيرة اندفاعاتك المتذبذبة، لذكرت ولو طرة واحدة اسم هشام في كومة ديوان مسيلمياتك التي بلغت أكثر من 464 صفحة. وحذار أن تثير معي العواطف على ما كتبت، ولي معك لقاء آخر وسألتقيك.
صحيفة الوسط
30 نوفمبر 2008