المنشور

صراع الطوائف والطبقات في إسرائيل (3-3)


هناك صعوباتٌ شديدة في تشكل مواقف مشتركة للطبقات العاملة في كل من إسرائيل وفلسطين المتداخلتين، فالطبقة الحاكمة في إسرائيل تستغلُ كلاً من البلدين وجمهورهما العامل بضراوة. وفي إسرائيل فإن الطبقة الحاكمة المكونة من سياسيين من قوى علمانية ودينية ثرية تركز في سياسة السيطرة على الضفة وغزة وعدم استقلال فلسطين إلا بشروط مجحفة، فيما تستغل القوى العاملة في إسرائيل المكونة من يهود وعرب.

 في حوار أجراه اليساريون العرب المغاربة مع عضو حزب شيوعي إسرائيلي من النمط التروتسكي، يقول: (لقد تغير المجتمع الإسرائيلي كثيرا جدا خلال السنوات الأخيرة. لقد مر وقتٌ كانت فيه إسرائيل قادرة على ضمان التشغيل الكامل وتحسين شروط عيش الشعب الساكن فيها. أما الآن فالبطالة تجاوزت نسبة 10%. الحكومة تعمل دائما على الاقتطاع من النفقات الاجتماعية. هاجمت أنظمة التقاعد، التعليم، الصحة وغيرها. وقد صرنا الآن نرى المتسولين في شوارع إسرائيل! والهوة بين الغني والفقير تتصاعد. إن إسرائيل مجتمع طبقي، مثلها مثل أي بلد آخر. توجد فيه طبقة عاملة، مكونة من اليهود ومن العرب. وتوجد فيه أيضا طبقة سائدة. وهناك صراع طبقي كما يظهر من خلال العديد من الإضرابات)، (حيفا، 18 يوليو 2006).

 تحول الحكوماتُ الإسرائيلية المتعاقبة الوضع الفلسطيني وخاصة التطرف فيه لأداة سيطرة عسكرية واستغلال، وعبر الادعاء بكون الفلسطينيين يشكلون خطراً وجودياً على إسرائيل فقد تفاقمت النفقات العسكرية بشكل هائل واقتطعت من عيش الناس، وبهذا فقد غدا حل القضية الفلسطينية ومشاكلها لدى الجمهور الإسرائيلي قضية محورية في حياته وأيدت السياسة السلمية وضغطت في اتجاهها لكن ظهرت جهاتٌ عربية أخرى تواصل تبرير الميزانية العسكرية الخيالية باستمرار المواجهة العنيفة. يقول السياسي اليساري الإسرائيلي:  ( إن المسألة القومية تعقد بشكل هائل مهمتنا هنا. فبينما الطبقة العاملة في إسرائيل طبقة مضطهدة من طرف طبقتها السائدة نفسها، فإن إسرائيل كدولة تضطهد شعباً بأسره، أي الشعب الفلسطيني. وطالما بقي الشعب الفلسطيني مضطهداً فإنه لن تكون هناك أي حرية حقيقية للعمال الإسرائيليين. إن النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من نضال العمال الإسرائيليين من أجل تحررهم الخاص).

إن الأوضاع متداخلة بقوة بين فلسطين وإسرائيل، وأي نمو لنضال القوى العاملة في إسرائيل يتطلب التوحد مع نضال الشعب الفلسطيني، والخروج من دوامة الوعي الديني العنصري، في كلا الجانبين، ونجد أن قوى عديدة في الجانبين بدأت تتخذ مواقف عقلانية ومتقاربة، لكن القوى القومية والدينية المتطرفة لا تزال كذلك ذات حضور قوي وتمنع فريقي السلام من العمل المشترك. وإذا قامت القوى الديمقراطية في فلسطين بتطوير وعيها السلمي منذ الرئيس السابق ياسر عرفات ومواصلة أبومازن هذا الخط، فإن هناك ضعفاً كبيراً في الجانب الإسرائيلي لهذا التوجه بسبب ما قلناه من الإرث الشمولي الغائر في الحركة الصهيونية، وبسبب استغلال الجمهور العامل الإسرائيلي والفلسطيني، وخاصة في الجانب العربي لما يتم دفعه من أجور رخيصة لهؤلاء العمال قياساً حتى بالعمال الإسرائيليين، كذلك فإن بقاء التوتر بين الجانبين يجعل القوى المسيطرة العسكرية – الصناعية في قمة المجتمع متحالفة مع الحاخامات! لقد كان التصور الأساسي للمجتمع الإسرائيلي بأن يكون قاعدة سكانية عسكرية في حالة طوارئ مستمرة وعمالاً مفرغين من وعيهم العمالي الإنساني وخاضعين للحركة الصهيونية، وهذا يتطلب سياسة مواجهة دائمة، وإذا لم يوجد طرف يواجه إسرائيل فلا بد من خلقه وتوتيره حتى يندفع للمواجهة! كانت سياسة السلام مؤثرة ومزعجة للأوساط الإسرائيلية الحاكمة، ولهذا تكرست بقوة في سنوات المواجهة، والآن تقوم بمساعدتها القوى والأوساط الدينية والقومية العربية والإسلامية المتطرفة، وتعطيها المبررات لزيادة الإنفاق العسكري وطلب المساعدات وتصوير إسرائيل المحاصرة المخنوقة! ومن هنا فإسرائيل الحاكمة تعمل على بقاء الحد الأدنى من سياسة المواجهة المتوترة كذلك تقوم بالابتزاز في مفاوضات السلام، بحيث تكسب من الجانبين.

وهنا فكلما زادت الأطراف العربية في سياسة السلام ورفضت التنازلات المصيرية، وتوقفت عن سياسة العنف وحركت قوى السلام واليسار الإسرائيليتين فقدت تلك القوى الحاكمة الإسرائيلية أوراقها. خاصة ان هذه السياسة العدوانية الاستعمارية العتيقة تواجه برفض جمهور متسع من الأقليات اليهودية المضطهدة التي تريد العيش وزيادة دخولها بدلاً من أن تموت في حروب مستمرة لهذه الدولة – القاعدة العسكرية. فتبدل الطابع الصهيوني للدولة العنصرية وضخامة الوجود العربي فيها الذي يبلغ 16% من مجموع السكان داخل إسرائيل، أي حوالي مليون عربي، وتمرد اليهود الشرقيين واتساع رقعة اليسار والقوى العلمانية الإسرائيلية، إن كل هذا يؤذن بخمود للسياسة الصهيونية من داخل إسرائيل نفسها. ولكن تصاعد التطرف الديني والتطرف القومي بين الإسرائيليين وبين العرب يقود إلى تفتيت القوى الشعبية عامة، وانتصار للقوى المتطرفة في الانتخابات وفي الوجود السياسي عامة. لقد كانت الأحزاب المعارضة في القسم العربي قليلة ولكن مع تزايد تأثير القوى المتشددة فقد ظهر الكثير من الأحزاب وقسمت الأصوات العربية.



أخبار الخليج 28 نوفمبر 2008