وسط حضور لافت وتمثيل سياسي ونقابي معبر، أقام المنبر التقدمي مساء الأحد الماضي حفلاً تأبينياً لراحليه العزيزين جمال عمران وأحمد الفاتح. بالإضافة إلى كلمة “التقدمي”، ألقيت في الحفل كلمات لعائلتي الفقيدين ولأحمد رضا رئيس نقابة المصرفيين التي كان أحمد الفاتح أحد مؤسسيها وقادتها، وألقى المهندس عبدالنبي العكري رئيس لجنة العائدين ورفيق جمال في المنفى كلمة مؤثرة عن دور جمال ومثابرته في العمل الوطني رغم قسوة الغربة ومرارتها.
كما تحدث كل من عضو جمعية وعد إبراهيم الدرازي عن صداقته الحميمة مع الراحل أحمد الفاتح، واعتبرها، إضافة إلى جانبها الإنساني، تعبيراً عن الوشائج بين مناضلي التيار الديمقراطي. أما عضو قيادة جمعية “أمل” رضوان الموسوي فقد استعاد ذكرياته الشخصية الجميلة مع جمال عمران قبل أن تأخذهما الأقدار في نهاية السبعينات إلى مصائر مختلفة، حين ذهب جمال إلى موسكو للدراسة، فيما رحل رضوان إلى قم. أتى جمال عمران وأحمد الفاتح من منطقتين سكنيتين مختلفتين، الأول من منطقة النعيم والثاني من القضيبية، وتلقيا خبراتهما في خلايا حزبية مختلفة، وربما لم يلتقيا بعضهما بعضاً أبداً، وأن حدث ذلك فلربما يكون لماماً، فلكل منهما مساره الشخصي والحياتي الخاص به. ومع ذلك وحّد بينهما حزب ينتشر في مناطق البحرين المختلفة، لا يميز بين منطقة وأخرى، وفي نهجهِ لا مكان للطوائف والمذاهب، ديدنه هو النضال الاجتماعي السياسي من أجل حقوق الشعب.
وإحياء ذكرى هذين المناضلين اللذين لم تفصل بين رحيلهما سوى أيام معدودة في أمسية واحدة، هدفه أيضاً التأكيد على قيمة نحن في أمس الحاجة إليها اليوم وسط الغـلواء الطائفية التي تجتاح ثنايا المجتمع وتنخرهُ من داخلهِ، فتُعيدنا إلى العصبيات المذهبية التي ضحى شعبنا في سبيل تجاوزها وتخطيها.
ناضل الراحلان العزيزان أحمد الفاتح وجمال عمران في صفوف اتحاد الشباب الديمقراطي “أشدب” فترة فتوتهما وشبابهما، وناضلا في صفوف جبهة التحرير الوطني، فكان أحمد الفاتح مناضلاً ومُنظماً لصفوف الطبقة العاملة في ألبا وغيرها من المواقع، فيما قادت الأقدار جمال عمران إلى المنفى الطويل الذي أنفقهُ في النضال من أجل قضية شعبه، مشاركاً في الأنشطة السياسية والشبابية والعمالية، وفي العمل اليومي المخلص والمتفاني. وحين جاء الانفراج السياسي بعد ميثاق العمل الوطني انخرط الراحلان في صفوف المنبر التقدمي، مقدمين طاقاتهما في نشاط المنبر وعمل لجانه، إضافة إلى مهامهما الأخرى في مؤسسات المجتمع المدني، فقد أصبح جمال عمران أحد نشطاء لجنة العائدين من المنفى التي طالبت بتأمين ظروف حياة كريمة لمن عادوا من المنفى ووهبوا أنفسهم للنضال من أجل سعادة شعبهم والديمقراطية في وطنهم، فيما نشط أحمد الفاتح في الحركة النقابية بعد انتزاع حق العمل النقابي الشرعي، فأصبح عنصراً نشطاً في نقابة المصرفيين. حفل تأبين جمال وأحمد، كما رحيلهما المبكر، يُسلط الضوء مجدداً على ملف ضحايا مرحلة قانون أمن الدولة سيئ الصيت، أولئك الذين تعرضوا لمختلف صنوف القمع والأذى لا لشيء سوى أنهم كانوا يطالبون ببعض ما تحقق في البلاد اليوم. هذا الملف يجب أن يظل حاضراً، لأننا لن نذهب إلى الأمام طالما لم تداوَ الجروح الغائرة.