قد لا يبدو هذا المقال مناسبا في وقت يسجل فيه سعر الدولار ارتفاعا مقابل العملات الأخرى. غير أن الحقيقة، كما سبق وأوضحنا، هي أن السعي المكثف لتحويل مختلف الأصول إلى سيولة من مختلف العملات، ثم تحويل هذه العملات إلى الدولار لسداد الالتزامات المقومة به يخلق هذا الطلب المؤقت عليه. غدا، عندما تبلغ هذه العملية نهايتها سيعود الدولار إلى اتجاهه الطبيعي والدائم نحو الانحدار. كانت تلك المقدمة، وإليكم المقال.
في 20 أغسطس/ آب 2007، طفت على السطح فجأة معلومات حول خطة لقيام عملة نقدية أميركية كندية مكسيكية موحدة. كان قادة هذه البلدان عقدوا لقاءهم الدوري في كويبيك الكندية، وقالوا بأنهم بحثوا فكرة ‘التكامل القاري’. الصحافة ترجمت ذلك بأن القادة اتفقوا على إقامة ما يشبه الاتحاد الأوربي حتى العام 2010، ما يعني ليس الحدود المشتركة فقط، بل والعملة الموحدة أيضا. ونبهت إلى أن الرأي العام لم يشرك في مناقشة هذا المشروع الذي يمس قرابة نصف مليار يسكنون هذه البلدان الثلاث.
ما حقيقة الأمر؟ يوجد لدى عدد من المختصين البارزين جواب محدد: الحديث يجري عن إفلاس ‘المشروع الأميركي’، وبدرجة أولى الدولار الأميركي واستبداله بعملة أخرى تحمل اسم ‘أميرو’. والاتهام يبدو جديا للغاية، فالإفلاس المفاجئ لدولة يبلغ دينها الخارجي 9 ترليون دولار تعادل 69% من حجم إجمالي ناتجها المحلي بمقدوره أن ينزل أكبر ضربة ماحقة بالاقتصاد العالمي خلال كل التاريخ المعاصر.
الذين تحدثوا عن هذا الأمر قالوا أيضا بأن الناس الذين يجرؤون على الحديث بصوت عال عن الآفاق الكئيبة ‘لأميرو’ يتعرضون للملاحقات ولوصمهم بنعت أنصار نظرية المؤامرة، وحتى أن مواقع الإنترنت التي يكتبون فيها تعرضت للهجوم. وجرى تسويد سمعة الناشطين من أجل حق الرأي العام في معرفة حقيقة ما يدور من خطط.
فكرة إنشاء عملة موحدة للقارة الأميركية الشمالية ليس جديدة. هي وليدة العام 1999حين تحدث الاقتصادي الكندي البارز، هربرت جروبل من جامعة فريزر عن ضرورة قيام اتحاد نقدي أميركي شمالي. لكنه وحتى وقت قريب، كانت الأفكار حول العملة والدولة الأميركية الشمالية تدور فقط بين جدران مراكز الأبحاث. أما السياسيون فرددوا مطمئنين بأن الحديث يدور عن مجرد خطط ترنو إلى المستقبل البعيد. لكن حكومات الدول المعنية لم ترفع أية دعاوى رسمية بحق ‘الملفقين’ ضدها. هذه الحقيقة بالذات هي التي تعزز القول بأن مشروع ‘أميرو’ قد يكون خطرا للغاية. فهل الخطة حقيقية أم أنها من بنات خيال البعض؟
كانت النتيجة الرئيسية لقمة الرئيسين بوش وفوكس، ورئيس الوزراء مارتين الذي عقد في مارس 2005 هي فكرة إقامة الاتحاد الأميركي الشمالي (NAU). على قاعدة الاتفاقية الأميركية الشمالية للتجارة الحرة بهدف تشكيل ما يشبه اتحاد سياسي اقتصادي إقليمي يضم أميركا وكندا والمكسيك. وفي بيان مشترك حينها، تحدث القادة الثلاثة عن المرحلة الأولى من تشكيل هذا التحالف تحت اسم ‘الشراكة من أجل أمن وازدهار أميركا الشمالية (SPP). وقد اتخذت خطوات عملية.
على الفور أنشأت الحكومة الأميركية موقع http://www.spp.gov، حيث تنشر الوثائق والتصريحات الرسمية لأعضاء ما يتوقع بأن تصبح الدولة الأعظم. وفي مايو/ أيار 2005 نشر مجلس العلاقات الدولية (CFR). تقرير مجموعة تحليلية مختصة بعنوان ‘بناء المجتمع الأميركي الشمالي’. ويقدم هذا المجلس، الذي أنشأ قبل قرابة سبعة عقود بتمويل من أكثر من مئتي شركة كبرى تسهم في رسم السياسة الأميركية ويصدر مجلة Foreign Affairs، نفسه على أنه منظمة اجتماعية مستقلة تشرح للعالم فحوى السياسة الخارجية الأميركية. ويضم عددا من ذوي النفوذ من بينهم وزير الخزانة الحالي بيتر بتيرسون. وقد وصف ذلك التقرير بأنه خارطة الطريق لضمان أمن أميركا الشمالية ومواطني البلدان الثلاث. وقد تضمنت أفكارهم دعوات لإعادة النظر في الحدود باتجاه تسهيل قيام (NAU). ولعله على هذا الأساس يمكن فهم لماذا يصد الرئيس بوش باستمرار مطالبات الكونجرس بتعزيز الحدود الأميركية المكسيكية.
في يونيو/ حزيران 2005 قال مدير مركز أبحاث أميركا الشمالية في الجامعة الأميركية روبرت باستر أمام جلسة استماع لجنة مجلس الشيوخ للسياسة الخارجية بأن الاتحاد الأميركي الشمالي بحاجة إلى مجلس قيادي إقليمي. غير أن باستر رجل من عالم الاقتصاد، ويقال بأنه هو من أدخل مصطلح ‘أميرو’ كاسم للعملة الموحدة.
لكن أول من قرع جرس الإنذار حول ‘أميرو’ كان المعلق المستقل من نيوجرسي هارولد تشارلز تيرنر الملقب بهيل تيرنر في برنامجه على الإنترنت. وقد اتهم هارولد بالشوفينية القومية وحتى بالعنصرية. لكن أحدا لا يمكن أن يطعن في مهنيته، خصوصا في إثارة كثير من الفضائح التي كشفت المتورطين فيها. ففي منتصف أغسطس من العام الماضي، نشر الخبر الذي رشح لأن يعتبر الأكثر إثارة للعام .2007 قال فيه بأن حكومات أميركا وكندا والمكسيك لم تبرم اتفاقا سريا حول اندماج الدول الثلاث في واحدة بشكل عاجل يسمى الاتحاد الأميركي الشمالي فقط، بل وأنهم يتخذون خطوات عملية من أجل أن تقر في المستقبل القريب عملة جديدة موحدة لهذه البلدان. أكثر من ذلك أنه عرض صورا لعملة الأميرو التي قال بأنها قد صكت من قبل الخزانة الأميركية. وكشف بأنه حصل عليها عن طريق أحد عاملي الخزانة القلقين من الممارسات التي تجري من وراء ظهر المواطنين. ادعى هارولد بأن الحكومة تتعمد وبشكل هادف الحط من النقود من أجل إيصال البلاد إلى حالة إفلاس نهائي وغير قابل للعودة عنه.
نفت الحكومة الأميركية على الفور وجود خطط كهذه. وشنت حملة واسعة لتفنيد ادعاءات هارولد واتهامه بابتداع تصميم لعملة الأميرو. وقال هارولد بأن الحكومة نجحت في حملتها، ويقول بأنه يبدو أنه الوحيد الذي بقي يعتقد بصدق الرواية. أما العامل في الخزانة الذي أسرّ لهارولد بخبر ‘الأميرو’ فقال بأنه أخبره أن جميع العاملين قد أنذروا بأن مخالفة كبرى قد ارتكبت بإفشاء سر، وأن مرتكبها سوف سيعاقب.