المنشور

أســود أم خلاســي؟


أصبح لأمريكا رئيس جديد، من الديمقراطيين هذه المرة، خاض الانتخابات وكسبها تحت دعوة التغيير.
حقق باراك أوباما، أول رئيس أسود للبيت الأبيض، الاختراق الذي كان يبدو حتى عقود، لا بل وسنوات قليلة مضت عصياً، فبدت أمريكا معه كأنها تنتصر على نفسها، على إرثها الثقيل في التعامل مع السود والملونين كما لو كانوا مواطنين أمريكيين من درجة أقل من تلك التي للبيض.
وبعد أن قُضي الأمر بإعلان الفوز الساحق لأوباما، انشغل الأمريكيون بسؤال قد لا يبدو مفهوما كثيرا لغيرهم، هو: هل حقاً أن أوباما أسود؟
مرد ذلك هو حقيقة كون أم أوباما أمريكية بيضاء ووالده مهاجر أفريقي من كينيا.

ولا يتصل الأمر برغبة البِيض في أن يكون لهم “حصة” في رئيسهم الجديد، كون أمه بيضاء، كما أن الأمر لا يبدو مجرد فذلكة تدور حول لون بشرة الرئيس الجديد، بقدر ما هو نقاش يتصل بمفصلٍ أساسي من مفاصل ما يمكن أن نطلق عليه الهوية الأمريكية.
أكثر من ذلك فان هذا الأمر سيفتح الأبواب على نقاشٍ واسعٍ حول هوية المجتمعات الغربية عموماً التي ظلت تتصرف لأمدٍ طويل على أنها مجتمعات بيضاء صافية، لم تخالطها دماء أخرى، فإذا بنا اليوم إزاء أجيال جديدة تتداخل فيها ألوان السُحنات، وينشأ هجين بشري جديد، هو نتاج التزاوج بين المتحدرين من أعراق مختلفة.

 وبالنظر إلى اختلاف عرقي والديه، يمكن القول، للدقة، إن أوباما خلاسي، أي هو نتاج اتحاد عرقين في زيجة، فلا يغدو معها من يُولد نتيجة هذه الزيجة أبيض تماماً ولا هو أسود تماماً.
ولكن لون السحنة السوداء في الولايات المتحدة وفي غيرها شكل نوعاً من الهوية المشتركة بين السود في مواجهة ما عانوا منه من تمييز واضطهاد، وتشمل هذه الهوية حتى أولئك السود الذين كان أحد والديهم أبيض.

سيكون مفيداً العودة لفرانز فانون خاصةً في مؤلفه الرائع: “بشرة سوداء.. أقنعة بيضاء” للامساك بالموضوع.
علينا بعد ذلك أن نتفهم برهافة وعمق دموع الفرح الساخنة التي سالت على وجنات الكثير من السود الأمريكيين وهم يصغون لأوباما يتحدث في حملته الانتخابية، أو في لحظة الإعلان عن فوزه، كأنهم وجدوا في هذا الفوز نوعاً من رد الاعتبار لقضيتهم وكرامتهم كمواطنين أمريكيين عانوا من التمييز.

الأستاذة في جامعة هارفرد، كمبرلي ماكلين داكوستا، وهي خلاسية مثل أوباما، والدها افريقي وأمها ايرلندية أمريكية، كتبت تقول: “نحن نشأنا على خط المواجهة فيما يتعلق بالتغير العرقي حيث اصطدمت القيم الجديدة بالقديمة، فقد كنا نشاهد الجميع من بيض وسود يحدقون في أمهاتنا البيضاء”.

قبول الأمريكيين بأوباما رئيساً لهم يُنبهنا إلى أن عالماً جديداً آخذ في التشكل منذ زمن، تمتزج فيه الأعراق وتتداخل.
أمريكا والعالم كله، ورغم اليقين بأن حدود الخروج على قواعد اللعبة السياسية المرعية الأمريكية ليست مطلقة، تنتظر أن يأتي أوباما بجديد، ليس فقط بأن يعيد أمريكا إلى شيء من الرشد بعد الجنون الذي قادها إليه بوش وفريقه، وإنما أيضاً يأخذ بيدها إلى التصالح مع نفسها، مع تاريخها ومع نسيجها المتعدد، لكن المتداخل.