إمرأةٌ من بلدي ككل الأمهات، لكنها ليست كسائرِ النساء!.. إسمها جميل.. وجهها صبوح.. جمالها آسر.. أناقتها فريدة.. ثقافتها بلا حدود! تعرف قيمة الإختلاف والتنوع؛ سِمَة تاريخ شعب أرخبيل البحرين منذ الأزل. كانت من سنوات سفيرة حرّة للثقافة والإبداع للبحرين العصرية. فراشة تنتقل من بلدٍ لبلد تحمل في يدها وردةَ “الجوري” الحمراء، هدية للعالمين، ناشرة من حولها أريج البخور والياسمين. تسحر الرجال والنساء أينما حلّتْ، تاركة لديهم أثراً لا تمحيه السنون عن الإنسان في البحرين .
فرحتُ كثيراً وامتلأتُ غبطةً وحبوراً، مثل آلافٍ من مواطني بلدي والعالم الخارجي عندما عُيّنَتْ أخيراً وزيرة لوزارة مستحدثة ؛” الثقافة والإعلام” (لاحظوا الثقافة أولا والإعلام ثانويا).. فرحنا- جُلّنا- وتنفسنا الصعداء، بقدر ما حزنا في السابق، حينما لم تقدّر في حينه.. على أية حال..”أتَتْ ولو متأخرة خيرٌ من أن لا تأتي أبداً”؛ مثلٌ بليغٌ بكل اللغات والثقافات، ينطبق على حال المواطنة ” مَيّ بنت محمد آل خليفة” .
معركتها ورسالتها، كونها امرأة عصرية تدرك أولوية حرية الثقافة، لم تكن ولن تكون سهلة في أي وقت، لا في ماضي الأيام ولا في القادم منها. حاربت طواحين الهواء باقتدارٍ وجهدٍ قلّ نظيرهما.. هزمتهم جميعا، وهي المرأة الشرقية، التي إن وقفت لا تعرف الخنوع مرة أخرى.. انتزعت الجدارة والأحقية بقوة أناملها الرقيقة، ناشبة أظافرها في صخور التخلف والاستبداد.
هي في الواقع وبلا مبالغة.. ظاهرةٌ، أتمنى أن تنتشر كالحريق بين ضفاف الخليج الظمآنة للحرية، التي لا تستقيم إلا بتقدم المرأة. بل هي رمزٌ لعناد النساء وعزيمتهن الراسختين وحلمهن الأبدي للمساواة الفعلية بين وجهي عملة الإنسان؛ الرجل والمرأة /المرأة والرجل. ففراشة الحرية التي لا تعترف بقيد المنصب وروتينه، لا أخاف عليها من المنصب الأثير والوجاهة البراقة لأن الوزارة العتيدة قد تشرفت بها، بقدر ما تتشرف هي بثقافات الشعوب .
ما فعلته” مَيّ” لوحدها من انجازات في البلد وفي الخارج بالنسبة للمجال الروحيّ والمعنويّ للإنسان ونقل الصورة الحضارية لبلدنا قد فاقت الآخرين كثيراً.. ولا وجه للمقارنة أصلاً !.. فبفضلها زار البحرين أفضل الفنانين الجادين وكبار المبدعين والمفكرين العرب والعالميين، الذين عاد منهم العديدين لزيارة البحرين مرات ومرات وأصبح بعضهم عشاقا متيّمين بالبحرين. رأينا وجوها ثقافية وفنية لم نكن نحلم أن نراها تحت سماء بلدنا.. واستمتعنا بلحظات روحية لا تنسى، نستمع فيها إلى إبداعات إنسانية راقية، ننهل منها غذاء روحيا لا يقدر بثمن، بُغية اشفاء غليل النفس العليلة!
وحتى يكون تقديرنا لجهود “مَيّ” واقعيّاً، غير مبالغ فيه.. نقول أن من يعمل قد يخطئ مرة أو مرات ولا يوجد إنسان منزّه بلا عيوب.. فجوهر الفن يعلمنا أن الإنسان يهفو دائما نحو الكمال ولكن لا يصله أبداً، ومن هنا ضرورة الفن وحب الجمال في حياة البشر، كتعويض عن هذا النقص وتعبير سرمديّ عن التوْق البشريّ للجمال والكمال!
نقطتان أود طرحهما، عبر هذه الإشادة / الرسالة المفتوحة لوزيرتنا الجديدة/القديرة وبصراحة الأخ لأخته.. النقطة الأولى تتعلق فيما يقال عن القصور أو عدم الاهتمام الكافي للكادر الفني المحلي/الوطني وضرورة دحض هذا الإدعاء بواسطة الفعل وليس الكلام فحسب. أما الاقتراح الثاني والأهم فهو يتعلق بأهمية المحافظة على التراث المعماري الكلاسيكي في بلدنا، والأمر البديهي أن هذا من صلب اهتمامات الأخت “مي” والدليل واضح للعيان ويتجسد في “مركز الشيخ إبراهيم الثقافي” وبيت “عبد الله الزايد” وغيرهما في مدينة المحرق و”بيت الشعر” (بيت إبراهيم العريض) في مدينة المنامة. ولكن نأمل آن لا يقتصر هذا الاهتمام على منطقة من البحرين أو فئة معينة من أهله وذلك لأنه حتى هذه اللحظة لا توجد خطة شاملة متكاملة للحفاظ على البيوت القديمة، بُغية ترميمها وتحويلها إلى مراكز تراثية. بل أن الخطة أو السياسة تلك تعوزها عدم المنهجية والدليل على ما نقول هو عدد المباني والبيوت القديمة التي أزيلت من الوجود بقوة “البلدوزر” ولم ترَ الاهتمام الكافي في حينه ومازال، تشكل كلها “بقايا صور” محفورة في قاع ذاكرة طفولتي الشخصية. كلنا نتذكر بحسرة- على سبيل المثال- عما حدث لبيت “فاروق” ذي الطراز المعماري الفريد والباب المحروس من تمثالين لأسدين، في منطقة” رأس الرمان”. حدث نفس الشيء في المنامة، في فريق “العوضية” بالذات لبيوت كانت آية في المعمار مع أشكال متنوعة فريدة من “البادكير”( مصيدة الهواء) أزيلت تماما، ولم يبقَ منها إلا القليل الذي نتمنى أن يدخل في صلب اهتمامات المسؤول الأول عن خطة المحافظة على التراث المعماري البحريني التقليدي!
الوقت 22 نوفمبر 2008