منذ سنوات طويلة ظل الرقم الذي بات متعارفا عليه الآن من قبل الجهات الرسمية والأهلية على حد سواء حول وجود ما يربو على ٠٥ الف طلبا لمشاريع وخدمات اسكانية للمواطنين لدى وزارة الاسكان دون تغيير يذكر على الرغم من حجم وكثرة المشاريع الاسكانية الصغيرة التي تتناثرعلى مجمل مساحة البحرين الجغرافية، وعلى الرغم من قيام الدولة ايضا بتلبية مئات وأحيانا آلاف من تلك الطلبات الاسكانية، الا أن الرقم المذكور بقي في تزايد مضطرد سنة بعد أخرى، دون أن تتوقف الجهات المعنية في الدولة وعلى رأسها وزارة الإسكان وكذلك لجنة الاسكان والاعمار والتي حلت مؤخرا والمجتمع بأسره معهم ليسألوا أنفسهم.. لماذا وكيف يحصل ذلك في بلد صغير كالبحرين والذي هو بحجم مدينة صغيرة في احدى الدول الكبرى من حيث تعداد السكان والمساحة الجغرافية؟! بل والى متى ستستمر هذه القضية الشائكة بالفعل محل تجاذب دائم وحتى مزايدة أحيانا من قبل البعض ممن لا يملكون أو حتى يقترحون حلولا عملية وموضوعية لهذه المعضلة، بقدر ما يملكون توظيفا فوضويا لها، دون أن تقوم الدولة وجهاتها القادرة على اجتراح الحلول كما سبق وفعلت وتفعل الآن وبعد مخاض عسير ومضن مع معضلة أخرى لا تقل عنها كالبطالة، والتي حققت فيها البحرين مؤخرا نجاحات لا يمكن أن تغفل بمحاصرتها لتلك المعضلة الاجتماعية الكبرى، لتنزع بذلك فتيلا ظل ملتهبا لعقود طويلة ؟!
ونعتقد جازمين أن جوهر المشكلة الاسكانية برمتها ظل مرتبطا على الدوام بالكيفية التي تدار بها الأمور المتعلقة بالتنمية بشكل عام من قبل الدولة والتي ظلت ترفض حتى اللحظة الاصغاء باطمئنان وروية لما يطرحه الجانب الشعبي وجزء ليس بقليل في الجانب الرسمي، من حلول وتوجهات علمية حول أهمية التخطيط للمستقبل سواء كان ذلك بالنسبة للمشاريع الاسكانية أو الصحية أو التعليمية بل وبعملية التنمية الشاملة بأسرها، فتزايد حجم الطلبات الاسكانية لا يمكن أن يؤخذ بمعزل عن معدلات حجم النمو السكاني التي ظلت الدولة تقول للجميع أنها خفضتها الى ما دون ١.٢٪ بعد أن كانت تلك النسبة قبل نحو عشر سنوات في حدود ٢.٣٪ وتلك أرقام ومعدلات رسمية يمكن الرجوع لها، لنكتشف فجأة ان ذلك لم يكن دقيقا بالمّرة مع الأسف، والدليل حجم الزيادة المفاجئة التي بلغ معها تعداد شعب البحرين أكثر من مليون نسمة دون أن تبدي الدولة أية أسباب وجيهة غير التي نعرفها، على أن ذلك لم يترافق معه تغيير في الخطط للتعاطي مع الشأن السكاني تحديدا ان لم نقل التعليمي والصحي ايضا، كما أن حجم المشاريع الاسكانية التي تقوم بها وزارة الاسكان سنويا لا يتناسب ابدا ومعدلات الزيادة والتمدد السكاني في المناطق المراد اقامة تلك المشاريع الاسكانية فيها مما يجعلها كقطرة في بحر كما يقال، ونتيجة لذلك نرى تهافتا ونزاعا حادا بين الأهالي حول أولوية المشاريع لهم دون غيرهم لتدخل على الخط بعض الأصوات النشاز محاولة تأجيج الوضع بأساليبها الخبيثة والتي تلعب كثيرا ودون مسوغ أو مشروعية على أوتار بالية لكنها مجربة، كالطائفية والمناطقية والفئوية والتي سئمنا ومللنا منها ولم يسأم أو يمل من يحركونها دون توقف وهي كالشرر المتطاير في سماء بلادنا الجميلة.
وعلى الرغم من مضاعفة مجلس النواب السابق لميزانية الاسكان في السنتين الماضيتين والتي أثمرت مشاريع عدة يجري انشاءها حاليا، الا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئا، فقد ظلت وستبقى معضلة الاسكان لسنوات دون حلول اذا ما استمر تعاطي الجهات المعنية في الدولة على ذات الوتيرة وبنفس الأساليب القديمة التي ربما كانت مجدية وفعالة عندما كان تعداد شعب البحرين لا يتجاوز السبعمائة الف نسمة ولكنها بكل تأكيد تصبح عاجزة وعديمة الجدوى عندما يصل ذلك الرقم الى أكثر من مليون نسمة خلال أقل من سنتين!، واذا اخذنا في الاعتبار شحة الأراضي المملوكة للدولة والمخصصة للمشاريع الاسكانية بالتحديد،
وبالتالي زيادة الانفاق على الأمن كما يحصل الآن من خلال الموازنات المقترحة لذلك، وزيادة والتطرف واتساع الهوة بين من يملكون ومن لا يملكون ، وذوبان الطبقة الوسطى المحرك الأساسي للمجتمع في أتون من المشاكل والمعوقات دون أمل يذكر لها للخروج من كل ذلك قريبا.
وحتى لا تكون الموازنات المرصودة ذريعة دائمة أمام اسباب تعقيدات معضلة الاسكان، تنبه مجلس النواب السابق في فصله التشريعي الأول لأهمية أيجاد حلول تساعد الدولة على تجاوز الوضع القائم وقدم للحكومة على مدى السنوات الماضية الكثير من الحلول العملية والتي نذكر منها اقرار بدل السكن لمن تجاوزت فترة انتظارهم أكثر من خمس سنوات كما قدمت كتلة النواب الديمقراطيين مقترحا حيويا يقوم على اعطاء البنوك والمؤسسات المالية الكثيرة والعاملة في السوق المحلي جزءا مهما من مهمة تمويل المشاريع الاسكانية مع توفير ضمانات حكومية وفترات سداد مقبولة اكثر للمواطنين، ووفق ضوابط ومعايير لعمليات السداد على أن توفر الدولة الأراضي لبناء تلك المشاريع الاسكانية، بما يضمن السرعة في الانجاز واشراك القطاع الخاص في التمويل ومساعدة بنك الاسكان ذي الميزانيات المحدودة ودعم مسيرة الاعمار والبناء وهذا المقترح لقي استحسانا بل استعجالا من قبل الوزراء والمسؤولين المعنيين في وزارات المالية والاسكان والبلديات وصدرت فيه قرارات ولوائح تنظيمية الا أننا بكل أسف لا نجد له تطبيقا حتى الآن.
واذا كان لدعوات جلالة الملك المتكررة حول ايجاد حلول سريعة أن تتحقق والتي كان آخرها اعلان جلالته خلال افتتاح دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الثاني بتوفير اعتماد اضافي لميزانية الاسكان في الموازنة الجديدة للدولة، اذا كان لكل تلك الأمنيات والوعود أن تتحقق فانها بكل تأكيد تحتاج من الجميع الى عزيمة واصرار ووضوح وشفافية في الرؤية وخطة استراتيجية واضحة المعالم والأهداف بحيث تكفل الحكومة أمانة تطبيقها ويراقبها مجلس النواب عن كثب دون الدخول في محاصصات طائفية كالتي تدور رحاها الآن.
صحيفة الايام
23 نوفمبر 2008