جزء من أحداث رواية باولو كويليو: ساحرة بورتو بيللوس تدور في دبي. امرأة ذات جذور غجرية آتية من منبتٍ عائلي غامض، تنتقل من رومانيا إلى بيروت فلندن حيث تعمل مُوظفةً في احد المصارف. هذا أمر مألوف في عالم اليوم الذي ينساب فيه البشر عبر الهجرات والتنقلات، تماماً مثلما تنساب المعلومات والأفكار. لقد هُدت الحيطان التي كانت تحول بين الناس وبين حرية السفر والإقامة. يحدث أن تتقن هذه المرأة عن طريق احد المعارف رقصةً طقسيةً أشبه بتلك التي لدى الدراويش. يمنحها الرقص شعوراً بالحرية، كأنها تصغي إلى روحها وحدسها، ومحل القلق يحل التأمل. المرأة الباحثة عن جذورها تجد نفسها في دبي بترتيبٍ من مديرها الذي انتابهُ القلق من السحر المنبعث من المرأة في محيط العمل، فعرضَ عليها فكرة العمل في الفرع الجديد الذي سيفتتحه المصرف في دبي. راقت لها الفكرة، ولم تكن مفاجأة للمدير حين قالت له إنها تتقن العربية، رغم انه كان يعرف إن الأمر ليس جوهريا، فهي في الأساس ستتعامل مع الأجانب لا مع العرب. لكنها لم تمكث طويلا في فرع المصرف، فسرعان ما انضمت إلى شركة تبيع العقارات، ومع الوقت غدت شخصيةً معروفةً في محيط عملها. ستبدو دبي بالنسبة للمرأة عالماً باعثاً على الدهشة والتعلم . رحلة إلى الصحراء تقودها إلى بدوي يقيم خيمةً ويهتم بخدمة السواح الذين تجذبهم كثبان الرمال الصفراء الساحرة، حيث يتولى إعداد الأكلات المحلية لهم. لكن هناك من أنبأها بان هذا في ذهن هذا الرجل حكمة كبيرة. مرة أخرى: الصحراء والحكمة، الإقنيمان اللذان يستحوذان على ذهن باولو كويله ومنذ روايته ذائعة الصيت: “الخيميائي” التي صنعت مجده ككاتب. ومرة أخرى تغدو صحراء عربية هي مُحفزه نحو التأمل. حكمة الرجل البدوي الذي قابلته المرأة في الصحراء تكمن في كونه فناناً مولعاً بالخط العربي. على مهل يأخذها الرجل نحو عالمه: – “كل حرف يستوجب منا أن نستقطر فيه كل الطاقة التي يحويها كما لو أننا كنا ننقش معناه”. – هكذا شرح لها الأمر باعثاً في نفسها فضولاً لتعلم فن الخط العربي على يديه. امرأة حيوية سريعة الحركة مثلها كان عليها أن تتعلم من مُعلمها درسه الأول: الصبر، لأن الصبر، في رأيه، يجعلنا يقظين. كان يعلمها بأناة، لكنه لم يرغب في أن تعده معلما، المعلم ليس من يعلم أمراً بل من يُلهم تلميذه أو تلميذته لتقديم أفضل ما لديهما. علينا التأمل في الفكرة التي تستحوذ على كويليهو وهو يأخذ بطلته من رومانيا إلى لندن ثم دبي، قاصداً من هناك أن يقترح عليها رحلة في الصحراء لتتعلم مفرداتها: الصبر واليقظة وأخيراً الحكمة، التي تبدو في ذهن الكاتب شرقية في الأساس، وإلا لما كان الخط العربي مفتاحاً له ليجعل البدوي يعلم بطلته الصبر. أليست هذه الفكرة تنويعاً مُصغراً على فكرة “الخيميائي”. وسؤال أخير: أيكون للكاتب، أي كاتب، فكرة واحدة يعيد كتابتها أكثر من مرة، ولكن بتنويع جديد، كأنه يعيد رسم الظلال على لوحة منجزة؟