شارك المنبر التقدمي في ورشة العمل المنعقدة في جمعية وعد يوم السبت الموافق 22 نوفمبر 2008 حول التجنيس تحت شعار ( نحو رؤية وطنية في التجنيس ) بتنظيم من الجمعيات السياسية الست ( وعد ، التقدمي ، الوفاق ، أمل ، التجمع القومي ، الإخاء ) . وقد خرجت الورشة بعدة توصيات تمت إحالتها إلى اللجنة التحضيرية لدارستها وإحالتها إلى الجمعيات السياسية لإقرارها وقد قدم المنبر التقدمي هذه الورقة
ما مدى دستورية المادة (6) من قانون الجنسية
وسلطة جلالة الملك في منح الجنسية ؟
ورقة المنبر الديمقراطي التقدمي
يقدمها المحامي / حسن علي إسماعيل
مسئول الشئون القانونية والبرلمانية
يعتبر ملف التجنيس من أهم الملفات التي حظيت بالاهتمام الشعبي الواسع، لما له من انعكاسات خطيرة، وآثار سلبية على المجتمع البحريني – لسنا هنا بصدد مناقشتها في هذه الورقة إلا انه من اللازم إن نشير إلى إن مجلس النواب من خلال لجنة التحقيق التي شكلها بشان التجنيس في الفصل التشريعي المنصرم ، وبعض الجمعيات السياسية ومنظمات حقوق الإنسان، كان لها دوراً مهماً ، كل بحسب موقعه، في الكشف عن تجاوزات السلطة التنفيذية في منح الجنسية خلافاً للقانون، ودون اعتبار لواقع البحرين الاقتصادي والاجتماعي.( انظر في ذلك تقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 21- 3- 2004 بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري ).
غير إن الذي يلفت الانتباه في تقرير لجنة التحقيق النيابية بشان التجنيس، إن من بين ( 1100 ) ملف أو حالة تجنيس فحصتها اللجنة ، توجد ( 42) حالة تمت بأوامر ملكية ، و( 6 ) حالات أخرى بأوامر من سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، والتي اعتبرها ممثل الإدارة العامة للهجرة والجوازات في مرافعته أمام مجلس النواب عند مناقشة تقرير اللجنة، بأنها قانونية ، صدرت حسب نص المادة ( 6) من قانون الجنسية البحرينية، الصادر في 16 سبتمبر 1963، والتي تنص في فقرتها الأولى على انه:
يمكن بأمر عظمة الحاكم منح الجنسية البحرينية لكل أجنبي كامل الأهلية على إن تتوافر فيه شروط الإقامة المشروعة في البلاد مدة 25 سنة متتالية ، او15 سنة متتالية على الأقل إن كان عربياً ، وان يكون حسن الأخلاق، وان يعرف اللغة العربية معرفة كافية، وان يكون له في البحرين عقار ثابت مسجل باسمه.
كما تنص في فقرتها الثانية على انه:
يمكن لعظمة الحاكم حتى وان لم تتوافر الشروط الواردة في الفقرة السابقة إن يأمر بمنح الجنسية لأي شخص ولأي عربي أدى للبحرين خدمات جليلة.
وإذا كانت حالات منح الجنسية بأوامر ملكية قد جاءت قانونية، ومتوافقة مع ما تقضى به المادة المذكورة حسب منطق الجهة الرسمية، وحسب ما أكده تقرير لجنة التحقيق النيابية ، باستثناء ما أشار إليه هذا التقرير من وجود تجاوزات في بعض من حالات التجنيس التي تمت على خلاف أحكام المادة المشار إليها ، مثل عدم استكمال المدة القانونية، وعدم وجود ما يثبت الإقامة ، وعدم التدقيق في إجادة طالب الجنسية للغة العربية ، وفي منح الجنسية بغير أمر من الملك.
إلا هذه المادة – المادة (6) من قانون الجنسية – بما تنص عليه من تمكين لعظمة الحاكم بمنح الجنسية بموجب أمر يصدر منه، ليس له مكان أو محل في الدستور، وان استمرار العمل بهذه الأداة في منح الجنسية البحرينية منذ إصدار دستور 1973، مروراً بدستور 2002، وحتى يومنا هذا، يشكل تجاوزاً لقواعد وأحكام الدستور، وهي مسالة دستورية ، لم تتوصل إليها لجنة تحقيق النيابة شانها في ذلك شان الفعاليات السياسية والمنظمات الحقوقية والمختصين الذين تناولوا قضية التجنيس في البحرين من جانبها القانوني.
وهذه المسالة الدستورية تتمثل في إن منح الجنسية بأوامر من رئيس السلطة التنفيذية، منذ تاريخ صدور أول دستور للبلاد، وحتى أللحظة، ليس له سند في الدستور، سواء كان ذلك في دستور 1973، أم في دستور 2002،ذلك إن هذين الدستورين قد حددا على سبيل الحصر الاختصاصات التي يحق لرأس الدولة إن يباشرها منفرداً بأمر أميري ، أو ملكي ، وليس من بينها اختصاص منح الجنسية ، وهو الوضع الذي يجعل فيما نصت عليه المادة( 6) من قانون الجنسية البحرينية بسلطة ( عظمة الحاكم ) بمنح الجنسية مطعون فيه بعدم الدستورية.
وليس غريبا إن يأتي النص القانوني المذكور مخالفاً لأحكام الدستور ، وذلك إن قانون الجنسية الذي يشمل على هذا النص قد صدر قبل الاستقلال ، وقبل ( 10 سنوات ) على إصدار دستور 1973، و ( 39 سنة) على إصدار دستور 2002، وهو الوضع الذي يحتاج إلى إعادة نظر ليس في نص المادة (6) من هذا القانون ، بل في جميع نصوصه، بحيث يكون متوافق مع أحكام الدستور ويستجيب للإصلاح الحقيقي شأنه في ذلك شأن القوانين الأخرى التي شرعت في ظل الاستعمار البريطاني أو تلك التي جاءت مقيدة للحريات .
ولعله من المفيد إن نشير توضيحاً لرأينا بعدم دستورية المادة ( 6) من قانون الجنسية إلى الاختصاصات التي يباشرها رأس الدولة منفرداً بأوامر والتي حددها الدستور على سبيل الحصر ولا يجوز للقانون إن يتوسع فيها وهي كما يلي:
أولا :
في دستور 1973: يحق لسمو الأمير إن يباشر اختصاصين بأمر أميري، وليس من بينهما
الأمر بمنح الجنسية، هما:
1. تعيين سمو رئيس الوزراء وإعفائه من منصبه ( مادة 33 فقرة ب)
2. تعيين نائب يمارس صلاحياته في حالة تغيبه خارج البلاد وتعذر نيابة سمو ولي العهد(مادة 34 فقرة أ) .
ثانياً :
في دستور 2002 : أضاف هذا الدستور إلى الاختصاصين المنصوص عليهما في دستور 73
ثلاثة عشر اختصاصاً يباشرها جلالة الملك بأمر ملكي وليس من بينهم الأمر بمنح الجنسية :
1- تعيين وإعفاء أعضاء مجلس الشورى ( مادة 33 فقرة و ) .
2- تعيين رئيس مجلس الشورى ( مادة 54 فقرة د).
3- تعيين القضاة ( مادة 33 فقرة ح).
4- إنشاء ومنح واسترداد الرتب المدنية والعسكرية وألقاب الشرف الأخرى
(مادة 33 فقرة ي ).
5- تنظيم الديوان الملكي ( مادة 33 فقرة م ).
6- إجراء الانتخابات لمجلس النواب ( مادة 42 فقرة أ ).
7- دعوة المجلس الوطني للاجتماع ( مادة 42 فقرة ب ).
8- مد الفصل التشريعي لمجلس النواب لمدة لا تزيد على سنتين ( مادة 58 فقرة أخيرة ).
9- دعوة مجلس الشورى أو مجلس النواب إلى اجتماع غير عادي ( مادة 75).
10- إعلان فض ادوار الانعقاد العادية وغير العادية ( مادة 76 ).
11- تأجيل اجتماع المجلس الوطني مدة لا تتجاوز شهرين ( مادة 90 ) .
12- تعيين رئيس وأعضاء محكمة الدستورية ( مادة 106 ) .
13- دعوة المجلس الوطني للانعقاد في غير الحالات التي ينص عليها الدستور مادة ( 101 ).
وإذا كان الدستور صريحا ، واضحاً في بيان الاختصاصات التي يحق رأس الدولة إن يباشرها منفرداً بأداة الأمر ، وليس من بينها منح الجنسية على نحو ما سلفنا ، وكانت المحكمة الدستورية قد قضت في أول حكم لها بتاريخ 26 ابريل 2004 ( بأن قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة هو نوع من قضاء الإلغاء إذ يترتب على حكمها تجريد النص المقضي بعدم دستوريته من قوة نفاذه ليؤول، ويحوز هذا الحكم حجية مطلقة قبل جميع سلطات الدولة والكافة، وهذه الرقابة القضائية الدستورية تمتد إلى جميع التشريعات السابقة أو اللاحقة لصدور الدستور بقصد تنقيتها من مخالفتها لقواعد الدستور الواجب احترامها وحمايتها في الحدود السالفة البيان ….).
إذا كان ذلك، فأن ما قررته لجنة التحقيق النيابية في تقريرها باستبعاد العديد من تجاوزات التجنيس التي وقعت قبل أول اجتماع عقده المجلس الوطني في 14 ديسمبر 2004، هو من أهم نواقص وسلبيات التقرير، ذلك أن المادة (45) من قانون مجلسي الشورى والنواب والتي استندت عليها اللجنة في قرارها المذكور، وان كانت تحول دون رقابة المجلسين على أعمال وتصرفات أعضاء السلطة التنفيذية التي وقعت قبل تاريخ انعقاد المجلسين، إلا إن ذلك لا يمنع مجلس النواب من استعمال حقه الذي نص عليه الدستور، في اللجوء إلى المحكمة الدستورية، للطعن في دستورية القوانين، سواء كانت سابقة أو لاحقة لأول اجتماع يعقده المجلس الوطني، ومنها بالطبع نص المادة (6) من قانون الجنسية البحرينية، بطلب الحكم بإلغائه، وإلغاء ما ترتب على العمل به من آثار.
ولا ينال من هذا الرأي القول بأن للدولة سلطة تقديرية مطلقة في منح الجنسية لطالب التجنس أو رفض منح هذه الجنسية لأنها وحدها صاحبة الاختصاص في جميع مسائل الجنسية ،ومنها منح الجنسية عن طريق التجنس ، في ضوء احتياجاتها ومصالحها وأهدافها الوطنية ، وأن ذلك من أعمال السيادة ، فهذا القول على صحته فان هذه السلطة التقديرية للدولة في منح الجنسية يتعين أن لا تكون بمنأى عن النص على حق رأس الدولة في الدستور في منحها بأمر شأنها شأن الأوامر التي نص عليها والمشار إليها فيما سلف ، ويكون ذلك طبقا للشروط والأوضاع التي يحددها القانون .