هل تتذكرون جيدا حكايات حوادث الاعتداءات العنصرية الارهابية غداة أحداث سبتمبر 2001م والتي راح ضحيتها اعداد غير قليلة من العرب والمسلمين وشمل في عدادهم عددا من الهنود السيخ الذين جرى الاعتداء على المعممين منهم بعمامتهم المميزة عن “العمامة الإسلامية” في جهل فاضح في التفريق بين اصحاب العمامتين؟
مؤخرا وفي بلد أوروبي غربي يعد من أشد الحلفاء لأمريكا ولا يقل مجتمعه عن المجتمع الامريكي في شيوع وانتشار النزعات العنصرية تجاه العرب والمسلمين بوجه خاص وشعوب بلدان العالم الثالث بشكل عام، الا هو بريطانيا، وقعت واحدة من الحوادث العنصرية المشابهة وان كانت اقل خطورة الا انها تشي بالكثير من الدلالات ليس على مستوى بريطانيا فحسب بل ذات مغزى على جانب من العادات والمسلكيات شبه العنصرية المتفشية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية نفسها.
بطلة الحادثة بريطانية موظفة مذيعة تعمل في اشهر المؤسسات الاعلامية الخاصة الا هي الـ “بي. بي. سي” وهي مؤسسة بدورها ذات تاريخ غير بريء تماما من المواقف والممارسات العنصرية سواء تجاه موظفيها العرب والمسلمين أم من خلال اسلوب صياغة تقاريرها الاعلامية وان تحسن الى حد كبير سجلها في هذا الشأن في السنوات الماضية، وبخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة ووصل هذا التحسن مؤخراً ان لم تجد مناصاً من حماية سمعتها الاخلاقية بطرد هذه المذيعة واسمها سام رونسون من وظيفتها بعدما دأبت على طلب سيارة اجرة لتوصيل ابنتها الشقراء ذات الـ 14 عاما شريطة الا يكون السائق آسيويا. وفي احدى المرات حذرتها موظفة بدالة الهاتف التي تتبع شركة سيارات الأجرة ان شرطها هذا يعد شرطا عنصريا فردت مبررة هذا الشرط بعذر اقبح من الفعل قائلة “ان سائقا يضع عمامة على رأسه سيخيف ابنتي، فهي غير معتادة رؤية مثل هؤلاء الاسيويين”. وحينما فاحت رائحة الفضيحة على صفحات الصحف اعادت تبرير موقفها بعذر غبي لا يقل سخافة عن التبرير الأول: “لو كان الأمر متعلقا بي ما كنت لآبه بذلك، لكنني انما اتحدث عن ابنتي الصغيرة”.
لكن ما لم تقله هذه الموظفة الاعلامية العنصرية البريطانية أو تجيب عنه: لماذا نشأت ابنتها حتى سن الـ 14 وهي تجفل وتنفر من الاسيويين أو المختلفين عن بشرتها وبضمنهم معتمرو العمامة وهم بلا شك هنا رجال من السيخ إذ لا يتوقع ان يعمل رجال الدين المعممون المسلمون في مهنة سيارات الاجرة؟ أليس الامر يعود بلا ريب الى سوء في تربية الابنة الصغيرة تربية سوية انسانية لكن ماذا عن مسلكياتنا في مجتمعاتنا العربية؟ أليس هناك كثرة من سواق “التاكسي” العرب الذين يفضلون في المواسم السياحية ركابا عربا على ابناء وطنهم لمجرد لمحهم مظهرهم الخارجي بما يشي عن ثرائهم كالسياح الخليجيين في العواصم العربية الكبرى، وان من حيث حتى “البشرة” نفسها التي تنتمي اليها اعلامية الـ “بي. بي. سي” العنصرية؟ وكم من سواق سيارات الاجرة في خليجنا المتورطين في مثل هذه الممارسات لايثارهم ذوي البشرة البيضاء الأجانب على ابناء وطنهم.
واخيرا لنسأل كم من المشترين والتجار في هذه الحقبة التاريخية المسمومة الذين يختارون وينتقون مطاعمهم أو متاجرهم المفضلة تبعا لهوية اصحابها المذهبية أو الطائفية. ألم نقل ان سهام العنصرية العالمية لم تطاولنا الا لأننا مصابون في علاقات بعضنا مع بعض بدائها على طريقة “اصابتني بدائها وانسلت”؟
صحيفة اخبار الخليج
19 نوفمبر 2008