في البلاغ الصادر عن الاجتماع الأخير للمكتب السياسي للمنبر التقدمي جرى التأكيد على أن صون الحريات المتحققة في البلاد هو في مقدمة المهام الملحة، والإلحاح على صون هذه الحريات ينبع من إدراك أهمية هذه الحريات التي طالما طالبنا بها وناضلنا في سبيلها ومن أجلها قدم شعبنا التضحيات الكبيرة إلى أن بلغنا القدر المتاح منها بعد ميثاق العمل الوطني. لا يجب الاستخفاف بهذا القدر من الحريات المتاح ولا الاستهانة به، ولكي ندرك أهمية ذلك علينا تصور الوضع الذي يمكن أن ينشأ في البلد لو جرى، لا قدرالله، مصادرة هذه الحريات في أي ظرف وتحت أي سبب أو ذريعة. ومن هذه الزاوية بالذات حرصنا على التعاطي المسؤول مع المناخ الايجابي المتحقق في هذا المجال، واستثماره بصورة رشيدة تؤدي إلى تطوير الأداء السياسي في البلد وبناء مؤسسات المجتمع المدني، وتفعيل دورها، واستخدام الآليات التي يوفرها القانون في العمل السياسي الوطني، وهي ليست قليلة. هناك في المواقع المختلفة من لا يعجبه هذا القدر المتاح من حرية العمل السياسي، رغم النواقص القصيرة غير الخافية علينا، وهناك من يرغب أن تُساس الأمور مجددا بالأسلوب القديم الذي دفعنا ضريبة باهظة له على أكثر من صعيد، ولذلك فانه يجري تحين الفرص للانقضاض على هذه الحريات، في مناخٍ إقليمي علينا الاعتراف بأنه غير مؤاتٍ، إذا ما قرأنا الأمور بحصافة. وصون الحريات لا يتأتى بالحفاظ على ما تحقق فحسب، وإنما تطويره والدفع به نحو آفاق جديدة، فأي مكسبٍ هو عرضة للتآكل، إن لم يجرِ الحفاظ على زخمه بتدابير إضافية تعزز منه وتوطده وتحميه من الخطر. وكما قُلنا في مرات سابقة فان هذه الحريات بحاجة في درجة أساسية إلى بنية تشريعية تحميها وتكرسها، فمثلما أصبح العمل الحزبي، في صورة الجمعيات السياسية، ممكناً بقوة القانون، رغم تحفظاتنا على عدة بنود في قانون الجمعيات السياسية قيدت هذا الحق، فان العمل الحزبي يتطلب ضمانات إضافية، لن تتحقق إلا بإعادة النظر في المنظومة التشريعية الموروثة المعادية للحريات العامة والمقيدة لها. وكانت آمال كل القوى المخلصة للوطن بعد إقرار ميثاق العمل الوطني وعودة الحياة النيابية أن يجري التوجه لتحرير القوانين المعمول بها ، وتطويرالتشريعات لتلبي حاجات الإصلاح والتحول نحو الديمقراطية، وهي المهمة التي تعطلت. إن عالم اليوم، بفعل آليات العولمة التي هدت جدران العزلة وأسقطت الكثير من النظم الشمولية، وبما تتيحه هذه العولمة من تدفق المعلومات وانسيابها، وبالاتفاقيات الاقتصادية والثقافية بين الدول، ورسوخ معايير دولية متوافق عليها إزاء قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة وتشريعات العمل وغيرها أضفت طابعاً دولياً على جميع القضايا، والبحرين، البلد المعروف بانفتاحه على الخارج وعلى الثقافات الأخرى، لا يمكن أن تكون خارج هذا السياق. وعود على بدء نقول أن الحريات السياسية المتوفرة في البحرين هي المنجز الرئيسي الذي تحقق في بلادنا خلال السنوات القليلة الماضية، مما يجعل الدفاع عن هذه الحريات وصونها ومنع التراجع عنها في مقدمة المهام الملحة أمام شعبنا وحركته السياسية.
صحيفة الايام
19 نوفمبر 2008