مع عودة الشيخة ميّ محمد آل خليفة لوزارة الإعلام وتحولها إلى وزارة إعلام وثقافة، فإن حدثاً جديداً مبشراً مهماً يكون قد وقع.
وإذا كانت هذه السيدة الشغوف بالثقافة والمعرفة التي أثرت البلد خلال السنوات القصيرة الماضية بالفاعليات الخصبة الكبيرة المنوعة وبجهدين شخصي وتضحوي، تكون قد رأست هذه الوزارة التي كانت مشقوقة الرأس، بين إعلام باهت وثقافة مهمشة، فإن توحيدهما ودفعهما بشكل موحد يغدوان خطوة بحرينية سياسية كبيرة.
فقد دأبت السياسة لدينا على إقصاء وتهميش الثقافة، والتركيز في الإعلام رغم أن البحرين تكونت وعـُرفت بالثقافة، وكانت المعرفة رأسمالها بين دول غنية بالنفط، فانتشر عمالها المتفوقون يبنون محطات تكرير النفط في الخليج، وانتشر أدبها يعرفُ العالمَ بها، وينشرُ معرفة الثقافة في بلدان كانت تخرج للعصر بصعوبة كبيرة.
ولو أن الوزارات تتنبه إلى أن المعرفة هي أثمنُ رأسِ مالٍ لدينا، وإننا قادرون على تحويلها إلى قوة إنتاج كبيرة، نعوضُ بها نقصاً في عدد السكان وفي كم الأموال، ونشغلُ ميزة الثقافة في الصناعة والتعليم ونتوجه للصناعات الدقيقة، لكانت لديها رؤية استراتيجية حقيقية واعدة بالكثير تجعلنا في طليعة شعوب الجزيرة.
ولهذا فإن إضافة كلمة (ثقافة) لوزارة الإعلام تكون باكورة هذا الاهتمام والتحول كما نأمل.
لقد تصدعت وزارة الإعلام في السنتين الأخيرتين بسبب الصراعات الداخلية بين قسميها الكبيرين وبين طواقهما، وغابت الكفاءة من إداراتها، وتم شل التلفزيون وصار علبة فارغة في الفضاء، فلا خبر ولا صدى!
بل ان موظفي التلفزيون أضربوا أول مرة في حياتهم، فنرجو أن تكون آخر مرة!
والأهم في بداية هذا التحول هو إلغاء الإجراءات الإدارية الأخيرة والإعلاء الأدبي والمادي لموظفي التلفزيون لينتجوا وليحفزوا المبدعين على الإنتاج في شتى الحقول التي تجمدتْ كالأغنية والمسلسلات وليسترجعوا الفنانين والمخرجين والمبدعين الذين تناثروا في شتى الجهات!
لا شك ان مسئولية الوزيرة الجديدة جسيمة وحافلة بالتحديات، فهي تأتي وقد تعرضت قوى كبيرة من جسد الثقافة للتقزم، فالمسارحُ في حالةٍ يرثى لها، والمغنون البحرينيون الذين أسسوا الأغنية في الخليج وصمدوا سنوات طويلة ذابوا وتبخروا في سماء التنافس الساخنة من قلة المكافآت والدعم الوطني والتقدير الشعبي، ولولا ان إذاعة البحرين التي تبث أغانيهم بشكل مشكور مستمر لما عرفهم أحد، ولكن البث وحده، من دون حقوقه المادية لا يؤكل شيئاً.
هناك أسئلة ممضة كثيرة تنتظر الوزيرة الجديدة والوزارة الجديدة في منعطفها هذا.
هل سوف تستمر الإدارة الجديدة والمثقفون والمبدعون في حالات الصراع التي لا تنتهي؟
هل سوف يسود الإنتاج الوطني المشترك والتفاهم أم سوف تتحكم الإدارة الجديدة في كل شيء؟
هل سوف تعتمد الإدارة فقط على الموظفين غير البحرينيين وعلى المبدعين غير البحرينيين بشكل كلي؟
هل ستتفاقم الاستقالات في الوزارة أم يحدث تواؤم بين الطواقم الإدارية ونسيان الماضي والبدء من جديد وبقلوب صافية؟
هل ستفتح الوزيرة الجديدة صفحة جديدة مع الجميع ولا تتضايق من النقد والاختلاف؟
هذه كلها أسئلة تتطلب تفكيراً عميقاً، ووحدة إرادة بين المثقفين البحرينيين، بحيث ألا تقوم الطواقم الإدارية وإدارات الأدباء والمسارح والتشكيليين إلا بتعزيز العلاقة بينها وبين الإدارة الجديدة من أجل خير الثقافة البحرينية ونسيان الماضي الاختلافي والبدء بصفحة جديدة.
نحن نرجو أن يتحقق ذلك فهذه فرصة جديدة للجميع.
ولدى الوزيرة الآن تكامل لم يحدث من قبل، وامبراطورية ثقافية كبيرة، فقد جمعت بين إدارة القطاع الخاص والقطاع العام الثقافيين، وتستطيع أن تجعل مؤسسات كلا الجانبين تستفيد من الأخرى، من أجل أن يتم بث الندوات الأدبية والعروض المسرحية والفنية في تلفزيون البحرين الذي أهملها إهمالاً كبيراً.
وهناك طاقات كبيرة وإمكانيات كطبع الكتب الأدبية والفنية وزيادة أعدادها وتوزيعها في أنحاء العالم، واستخدام الفضائية البحرينية لأجل تعزيز انتشار الكتاب البحريني الذي كان دائماً في الصفوف الخلفية في مكتبات البحرين نفسها!
ولا شك أن الوزيرة سوف تواجه بحساد كثيرين ومنافسين أشداء سوف يحاولون عرقلة خطواتها وإيجاد صراعات جانبية بينها وبين الجمعيات الثقافية المختلفة، وتصعيد النقد ضدها، وغير ذلك من وسائل متدنية، تعكس عدم اقترابهم من الثقافة وعدم مبالاتهم بتقدمها، وهذا كله يعتمد على إنشاء المثقفين جبهة واحدة تنشد تطور مؤسساتهم وتطور الإبداع في البلد.
سنرى خطوات الإدارة الجديدة ونحكم على قراراتها في حينها، فكل شيء يتغير، وكل كلام نظري يتبدل مع الممارسة، والخطوات التنفيذية على الأرض، وقد يكون الكلام أقل من الوجود الحقيقي، فيتفوق العمل على الأحلام.
صحيفة اخبار الخليج
18 نوفمبر 2008