المتابع لصحافتنا المحلية منذ الإعلان عن نتائج انتخابات نقابة »ألبا« منذ نحو أسبوعين، سيلاحظ العدد الكبير من المقالات والتعليقات التي وقفتْ أمام هذا الحدث، وهو أمر يشير إلى الأهمية الخاصة التي اكتسبتها لا مجريات هذه الانتخابات وحدها، وإنما النتائج التي أسفرت عنها، بفوز قائمة قلنا عنها في حينه أنها تشبه البحرين، لأنها جسّدت المكونات الاجتماعية المختلفة لمجتمعنا. ما الذي يجعل انتخابات نقابة من نقابات عمال البحرين، حتى لو كانت أكبرها، تستأثر بكل هذا الاهتمام من قبل الكُتاب والمعلقين من ذوي الميول السياسية والفكرية المختلفة؟ السؤال يشي بجوابه، فمصدر الاهتمام يعود إلى ما أظهرته هذه النتائج من إمكانية المجتمع المدني البحريني الحديث في أن ينتج بديلاً وطنياً للخيارات المذهبية والطائفية بكافة صورها، وعلى خلاف الظاهر من هيمنة القوى المذهبية على مفاصل المجتمع، وهو ظاهر حَملنا، أو حمل بعضنا على الأقل، على فقدان الثقة في قدرات تيارنا الديمقراطي وإمكانياته، والتسليم بهذه الهيمنة كقدرٍ لا راد له في المرحلة الحالية على الأقل. هذه الانتخابات أظهرتْ طاقات كامنةً بالإمكان استنهاضها وتوظيفها بصورة صحيحة لا في مجرد تقديم البديل الوطني المناقض للطائفية والمذهبية، فكراً وسلوكاً، سواء جاءت من أجهزة في الدولة أو من تيارات في المجتمع، وإنما أيضاً إقناع الناس بصواب هذا البديل وكفاءته وقدرته على شد لحمة مكونات المجتمع حول برنامج اجتماعي مطلبي واقعي ورشيد، يتبنى قضايا الناس ويُدافع عنها، والى ذلك يُحقق لهؤلاء الناس، عبر أدوات العمل النقابي الكفاحي، مكاسب ملموسة، بدلاً من شحنهم ليل نهار بشعارات تغذي النزعات المذهبية، وتغفل أن المجتمع البحريني هو مجتمع الجميع، لا مجتمع الطائفة أو المذهب، كائناً ما كانت هذه الطائفة أو ذلك المذهب. ما الذي يجعل العمال البسطاء يصوتوا لقائمة متنوعة التكوين، تضم علمانيين ومتدينين متحدرين من مكونات إثنية وطائفية مختلفة، لكنهم ليسوا أسرى لها، فيما ينصرفون عن قوائم أخرى تخاطب لديهم حس الطائفة والمذهب، لا حس المصلحة الطبقية الاجتماعية المعيشية؟ هذا هو السؤال الذي يجب الوقوف أمامه ملياً، والاتعاظ من دروسه، وهو يُحفزنا جميعاً، نحن الناشطين في صفوف التيار الديمقراطي، على عدم الاستهانة بما نمتلكه من قدرات وأن نُحسن استخدامها، بإظهار استقلاليتنا في الطرح والرؤية، دون إغفال أوجه التعاون والتنسيق مع الآخرين، ولكن على قاعدة هذه الاستقلالية. لا نريد أن ننساق في التفاؤل العاطفي، ولا أن نُعطي الأمور حجماً أكبر من حجمها الواقعي، ولا أن نغفل التعقيدات الكثيرة المركبة التي تحيطنا بعملنا اليومي في ظروف صعود التيارات المذهبية، ولكننا ندعو إلى إدراك حقيقة أن العمل اليومي الدؤوب والمثابر، بعيداً عن الضجيج والادعاء والاستعراض، الذي يبني الأمور لبنةً لبنة، ويعرفْ أهلهُ أهمية أي نجاح يتحقق حتى لو كان صغيرا ويبنوا عليه نجاحاً آخر أكبر منه، هو الذي يمكن أن يُرسخ من مكانة تيارنا الديمقراطي، اعتماداً على جهوده الذاتية في المقام الأول، وهو الذي سيقُنع الناس، مع الوقت والمثابرة وصدقية البرامج وواقعيتها واستيعابها لأبناء الوطن جميعاً، بأن أصحابه يمكن أن يقدموا البديل القادر على أن يأخذ بمجتمعنا نحو الخيارات الصائبة.
صحيفة الايام
17 ديسمبر 2008