مرةً، التقيت المفكر الراحل الدكتور حسين مروة في إحدى المناسبات الثقافية، وكان على مشارف الثمانين من عمره، وأذكر أني سألته عما إذا كان اهتماماته الفلسفية والتراثية قد صرفته عن النقد الأدبي الذي بدأ به حياته الفكرية، فأجابني بأنه سيعود للنقد، “ولكن بعد تجديد أدواتي النقدية وتطوير منهجي”.
وأذكر أنني تساءلت بيني وبين نفسي: متى سيلحق وهو في هذا العمر؟
الجواب عن هذا التساؤل وجدته عند ايدا لوشان، الباحثة الأمريكية، في كتابها الموسوم: “أزمة منتصف العمر الرائعة”، ويكمن الجواب في كلمة واحدة هي: الإرادة، فيما تعنون أحد فصول الكتاب بالتالي: “اليوم هو أول أيام عمرنا القادم”.
تقول الكاتبة التي وضعت كتابها وهي في الثامنة والأربعين من عمرها، إنه “لكي يكون للحياة أعمق معنى، ولكي يسعد المرء بالحياة، فعليه أن يحاول أن يجد ذاته”.
وهي تلفت النظر إلى أننا ما إن نبلغ الأربعين حتى نبدأ الحساب “من نكون؟ وماذا فعلنا بحياتنا؟” وتضيف: “إن أول ما يَهولنا في منتصف العمر هو أننا لن نتمكن من قراءة كل الكتب التي نريد قراءتها ورؤية كل الأماكن التي نريد زيارتها، وغالباً ما يغمرنا الشعور بالندم: (كان ينبغي أن …)”.
وهذا ما يفسر، في ما يبدو، الشعور الذي يجعل الكثيرين يتحدثون عن منتصف العمر بوصفه خريفاً، كأنهم يريدون القول إن المرء ما إن يشارف الأربعين أو يجتازها يودع ربيع حياته، ويبدأ عنده العد العكسي.
لكن مرحلة منتصف العمر ليست قصيرة كما يظن. إنها برأي المختصين أطول مرحلة في حياة الإنسان. فهي تمتد من سن العشرين إلى سن الستين، أي أربعين سنة كاملة، ويقسم هؤلاء هذه المرحلة إلى جزأين: منتصف العمر الباكر (20 40 سنة)، ومنتصف العمر المتأخر (40 60 سنة).
ما يقلق الناس أكثر هو المرحلة الثانية، حيث تبدو لهم الخيارات الأساسية في حياتهم مُنجزة، ولا مجال يُذكر لتغييرات يُعتد بها في مسارات هذه الحياة.
لكن العقود الأولى من النضج تكون شديدة الازدحام، حتى إننا نادراً ما نجد الوقت لكي نجلس ونفكر ونتساءل ماذا نحن فاعلون بحياتنا؟ ولماذا؟
النضج الأعمق لا يأتي إلا في منتصف العمر، حيث نكون قمنا باختيارات شخصية عديدة في الدراسة والعمل والزواج ونمط الحياة، وتطورت ملكاتنا في التقييم والتأمل.