منذ اكثر من ٦ أعوام اعتاد الشارع البحريني بمختلف اطيافه ومع نهاية كل عام استقبال احتفالية من نوع خاص تتجسد في صدور تقرير ديوان الرقابة المالية، والذي عودنا حتى الآن أن يعرض جهداً حرفياً متطوراً بين عام وآخر حول مجمل التجاوزات المالية والى حد ما الادارية أيضا في مختلف وزارات وأجهزة الدولة من خلال حصيلة من التقارير التي لا تخلو من تفاصيل مهمة يعدها الديوان عن كل وزارة أو جهة رسمية على حدة، والتي مثلت مرجعاً مهمة وجردة حساب سنوية لمسيرة تلك الجهات وممارساتها المالية المختلفة.
ولا بد من القول – والحق يجب أن يقال – أن ديوان الرقابة عمل منذ اليوم الأول لتأسيسه بطموح ومسؤولية فاقت توقعات الكثيرين رغم امكانياته المحدودة سواء من حيث حجم الموارد البشرية التي يمتلكها او حتى رصيد الخبرات وتراكميتها والتي يبدو ان الديوان قد كرس المزيد منها عبر السنوات القصيرة من عمره حتى الان، مستفيدا من كل ما طرح ويطرح من تجاوزات ومآخذ على اداء السلطة التنفيذية لتجويد ادائه، وكذلك عبر ما تم من مناقشات ومداولات للتقارير السابقة داخل مجلس النواب وعبر وسائل الاعلام المختلفة خلال السنوات السابقة.
وبالفعل نستطيع ان نؤكد على الأقل من خلال قربنا من متابعات ومناقشات التقارير السابقة داخل مجلس النواب ولجنته المالية والاقتصادية في الفصل التشريعي الأول، حيث لا يمكننا الاشارة هنا الى أي جهد قام به المجلس الحالي في هذا الجانب حتى الآن، على الرغم من أن المجلس يعيش حاليا فترة دور انعقاده الثالث فانه لم يبادر فيها حتى الآن من مجرد ملامسة اي من تلك التقارير، ونستطيع أن نؤكد ان اداء ديوان الرقابة المالية طيلة السنوات السبع الماضية من عمره هو في تطور مستمر، بل أنه استطاع دخول مؤسسات وشركات رسمية أكثر والتوغل في دوائرها بصورة أكثر عمقا كما حدث في كل من شركتي بابكو وألبا بالتحديد حيث تم توجيه المسؤولين في الديوان الى ذلك عبر نقاشات التقارير السابقة في الفصل التشريعي الاول وعبر وسائل الاعلام المختلفة والندوات العامة.وبالفعل يعتبر التقدم الذي تم في مراقبة اداء الشركتين وغيرهما من مؤسسات مؤشرا على أهمية الدور الذي يقوم به الديوان في الاسهام بجدية في الحفاظ على المال العام وتحسين اداء تلك المؤسسات.
لكننا لا نستطيع أن نغفل ايضا حجم التراجع والتكرار في ذات التجاوزات واستمرار الكثير منها في العديد من المؤسسات الأخرى التي يبدو أن ارتخاء وعدم جدية وحتى اكتراث نوابنا – ان شئتم – قد شجع المسؤولين في تلك المواقع الرسمية على الايغال في تكرار أو على الأقل عدم تصحيح تلك التجاوزات »على قاعدة من أمن العقوبة والمحاسبة أساء التصرف بالمال العام« ، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال ما افصح عنه تقرير ٧٠٠٢ الأخير الذي تم رفعه مؤخرا لجلالة الملك والحكومة ومجلس النواب وعرضته وسائل الاعلام بشكل مكثف. فقد تكرر تجاوز قانون المناقصات من قبل البعض وتم اهمال تطبيق قوانين بعينها على الرغم من أهميتها كقانون الضمان الاجتماعي وعدم متابعة ملايين تاهت بين مؤسسات وشركات حكومية دون أدنى محاسبة وعدم تحصيل ملايين من اموال الدولة في الكهرباء والبلديات واهدار اموال عامة في الاعلام وتجاوزات في بعثات العلاج بالخارج واكثر من ١١ مليونا من المصروفات الحكومية غائبة عن الحساب الختامي لعام ٧٠٠٢ وكأن ذلك دليل على اهمال وعدم مبالات واكتراث مجلس النواب الحالي وكتله المختلفة بكل أسف حتى الآن لمناقشة وعرض تقرير الحساب الختامي للدولة لعام ٤٠٠٢ والذي لا زال مغيبا في أدراج اللجنة المالية لسبب كم نتمنى أن نعرفه، وكذلك وصل الحال بأحد الأخوة النواب المخلصين من أعضاء اللجنة المالية والاقتصادية بالمطالبة بعدم الاهتمام بمناقشة تقرير ديوان الرقابة لعام ٦٠٠٢ لأنه -حسب قوله- أصبح جزءا من الماضي داعيا زملاءه للتركيز على تقرير٧٠٠٢ ، وكانه يقول لنا عفا الله عما سلف!
كلمة أخيرة لا بد من قولها أن مجلس النواب الحالي بمختلف كتله وتحديدا بلجنته المالية في حاجة ماسة لأن يؤكدوا للجميع على ارادتهم الحقيقية النابعة من احساس وطني مسؤول بممارسة دورهم الرقابي على أداء الحكومة والمال العام ومتابعة قضايا الفساد بنوعيه المالي والاداري، بالضبط كما يحاول غالبية أعضائه أن يؤكدوا متابعتهم الحثيثة للفساد الأخلاقي!! والا فانهم سيظلون موضع نقد موضوعي دائم من قبلنا والآخرين حتى يثبتوا العكس.
صحيفة الايام
16 نوفمبر 2008