المنشور

.. وماذا عن بايدن نائب الرئيس؟!

ربما يكون الكاتب الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل من أوائل الكتاب السياسيين الذين حذروا العرب مؤخرا من الارتكان على طيبة باراك اوباما لمجرد انه أول أمريكي من أصل افريقي يصل الى البيت الابيض. ففي احدى الحلقتين اللتين بثتهما الجزيرة غداة انتصار اوباما اوضح هيكل في مقابلة معه ليس فقط ان ثوابت السياسة الامريكية غير قابلة للزعزعة او التغير تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي – الاسرائيلي، بل حذر من خطورة فريق العمل المعاون المتوقع ان يشكله الرئيس اوباما للاعتماد عليه ومساعدته في حل وادارة المشاكل الداخلية الراهنة التي تعصف بأمريكا ناهيك عن رسم وادارة السياسة الخارجية خلال ولايته، حيث سيترك له سلفه جورج بوش الابن ميراثا ثقيلا من الازمات المتراكمة ما لم يتركه ربما أي رئيس لخلفه في تاريخ كل الرؤساء الامريكيين بالنظر لمعضلاتها الشائكة وكيفية قدرة واشنطن على الخروج منها بأقل الاكلاف الممكنة ماليا وبشريا وبما يحفظ ماء وجهها، كقوة عظمى تواجه تحديات وقضايا دولية واقليمية جمة على درجة من التعقيد في مقدمتها مستقبل التسوية المتعثرة في الشرق الأوسط، وفي افغانستان، ومصير قواتها في هذا البلد وفي العراق عدا قضايا آسيوية وافريقية واوروبية متعددة شائكة من بينها دارفور، والقوقاز، والملف النووي الايراني، والعلاقات مع روسيا وكيفية تفادي الدخول معها مجددا في حرب باردة جديدة في ضوء قوتها العسكرية والاقتصادية المتنامية اثر شعورها بشيء من التعافي من الانهيار المدوي الذي عصف بامبراطوريتها السوفيتية السابقة في مطلع العقد الأخير من القرن الآفل، ولاسيما فيما يتعلق بقضايا اوروبية معلقة لعل ابرزها الموقف من نصب الدرع الصاروخية الامريكية في التشيك وبولندا، وتمدد “الناتو” إلى مقربة من حدودها، ووجود – الحلف – الجديد المكثف في البحر الأسود على خلفية انفجار حرب القوقاز في الصيف الفائت التي كانت أشبه بحرب بالوكالة بين القوتين العظميين، حيث وقفت موسكو إلى جانب مقاطعتي ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين عن جورجيا ذواتي الاغلبية الروسية فيما وقفت واشنطن إلى جانب جورجيا.. وان لم يصل الامر بالأولى الى حد التدخل العسكري إلى جانب الثانية.
وإذا كنا من جانبنا قد حذرنا من الافراط في التفاؤل على النيات الطيبة والحسنة لباراك اوباما، حتى اذا ما صرفنا النظر عن تصريحه قبل زيارته لاسرائيل بوقوفه الى جانبها والى جانب أمنها بقوة وإلى جانب حقها في القدس كمدينة موحدة عاصمة للدولة العبرية وانها، أي هذه المواقف الامريكية، غير قابلة للنقاش على حد تعبيره، واذا ابتلعنا أيضا أو حاولنا ان نبتلع الصفعة الأولى التي تلقيناها فور فوزه بتعيين الصهيوني اليهودي رام عمانوئيل رئيسا لموظفي البيت الأبيض، فها نحن نتلقى الصفعة الثانية قبل أن يمحى اثر الصفعة الاولى بإفصاح وتباهي نائبه المنتخب جوزيف بايدن بمواقفه وسيرته السوداء المجللة بالعار الى جانب الدولة العبرية العنصرية. فالرجل معروف بأنه احد ألد الاعداء للعرب والفلسطينيين داخل لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس التي لايزال يرأسها، وهو لا يتردد بكل وقاحة عن الدفاع عن اسلوب استخدام القوة التأديبية في افغانستان ودارفور وفي البلقان للمحافظة على الهيبة والقوة الامريكيتين، وهو الى ذلك، يتباهى بأنه اقوى سيناتور على امتداد ثلاثة عقود ونيف أيد اسرائيل بكل قوة ولم يكن يضاهيه في هذا التأييد سوى اعضاء اللجنة اليهود كالسيناتور جو ليبرمان.
وهو إلى ذلك ردد أكثر من مرة مقولته الشهيرة “ليس من الضروري ان يكون يهوديا ليكون صهيونيا” بمعنى ان كل امريكي يستطيع ان يكون صهيونيا وإن لم يكن يهوديا.
وهو تحدى العرب بكل صلافة واستخفاف بقوتهم قائلا: “ماذا سيفعل العرب لو أيدنا احتلال اسرائيل الدائم للقدس الشرقية؟”.
بايدن نائب الرئيس الامريكي الجديد المنتخب باراك اوباما وصف مؤخرا نائب الرئيس الحالي ديك تشيني الموشكة ولايته على الانتهاء بأنه “أخطر نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة” وذلك لما وظفه من صلاحيات وسلطات واسعة استخدمها في التأثير في الرئيس الغبي جورج بوش الابن، فماذا عسى أن يكون تأثير نائب الرئيس المقبل بايدن في رئيسه الجديد الشاب “الطيب القلب” وهو لا يملك، اوباما سدس ما يملكه بايدن من دهاء وخبث اكتسبهما من تجربته المديدة في الوقوف الى جانب اسرائيل وهو الآن في سن والده وبمثابة استاذه الناصح؟

صحيفة اخبار الخليج
12 نوفمبر 2008