تركزت أهداف الرؤية الثلاثة (الاستدامة - التنافسية - العدالة) أو الهدف الرئيس للرؤية في زيادة دخل الفرد (الأسرة الحقيقي) دون أن تغفل عن التوضيح، بأن تلك الزيادة والتحسين المعيشي يواجه تحديات، وهنا مفتاح مسألة صراع الوجود، صراع التحديات، لشعب صغير محدود في ثروته ومحاط بتقلبات اقتصادية إقليمية وعالمية، ويعيش ضمن دائرة ثقافية وبيئة محلية من الضروري أن ننتبه إليها، فهي مهمة للغاية لتحديد معنى الرفاهية الاجتماعية للأسرة ودخلها.
طرحت الرؤية معضلة حقيقية جرسها خطير، بأن البحريني لا يمثل الاختيار الأمثل للقطاع الخاص!! فإذا ما سلمنا جدلا أننا استطعنا أن نواجه التحديات المحددة وتجاوز شروطها، وهي بالضرورة تعتمد على أطراف ثلاثة في الإنتاج وعمليته، فإذا ما تم تصنيف العمالة الأجنبية والمهارة المطلوبة لمواجهتها، في ظل حسابات مستقبلية لتزايد حجم العمالة البحرينية للضعف خلال عقد، فالنظام السياسي وفر لنا نظاما تعليميا مجانيا ومتطورا، والذي سيقذف لسوق العمل خريجين يفتشون عن عمل، خريجين غير قادرين على تلبية الحاجة لذلك السوق، ويطالبون بأجر مرتفع في ظل وجود عمالة ارخص وأكثر مهارة!! فنقع من جديد في الحلقة المفرغة القديمة، ونعود للتأهيل والتدريب لخريج كان من الأجدى أن تستفيد الدولة والوطن والمجتمع من مهارته مباشرة بدلا من إنفاق مضاعف، بالإضافة إلى ضياع الوقت وهو عنصر مهم في العملية الإنتاجية. هذه الحلقة ينبغي كسرها تعليميا، بخلق مناهج أكثر دقة ودراية بسوق العمل والمستقبل المهني لذلك السوق، فنحن حتى الان نجد شكوى من أرباب العمل أو القطاع الخاص ووزارة العمل تتحجج عن عدم وجود مهارات ومهن مطلوبة، وهذا الادعاء له مبرراته فلا احد يوظف شخصا من اجل الأعمال الخيرية، فالبزنس بزنس !!، ولكن ماذا لديه رب العمل من حجج في حالة توفير المهارة المطلوبة في سوق العمل ويبعث إليه قسم العاطلين في الوزارة بقائمة أسماء؟، سنجد بالطبع التلكؤ من أرباب العمل، فالمهارة الأجنبية ارخص أجرا. وهذا هو مربط الفرس، ارخص أجرا، بل وأكثر طاعة والتزاما بخطط العمل والإنتاجية وكل الشروط اللاانسانية التي يقبلها العامل الأجنبي.
في هذه الحالة نجد حلقة فارغة كبيرة وعسيرة يتململ منها القطاع الخاص، والذي تحاول الرؤية جذبه للمشاركة في العملية الإنتاجية في البحرين سواء كان قطاعا خاصا أجنبيا أو محليا. فهل يتنازل القطاع الخاص عن مسألة عدالة الأجور في مجتمع رأسمالي أم يفضل أجوراً في مجتمع السخرة؟ فشروط العمل وظروفه هنا مختلفة عن العمل في السخرة، والذي نرى كيف أن العمالة الأجنبية بدأت تتذمر وتبحث لها عن وسائل للتنفيس عبر انفجاراتها. ومع ذلك،سيبقى ترويض العمالة الأجنبية أسهل وفصلها وإنهاء عقود خدماتها أهون من عمالة محلية مشاكسة. ولهذا لن يتحقق هذا التوازن والتوافق الاجتماعي إلا بالتنازلات المشتركة والعقود المهنية العادلة بما فيها المحور الهام »الأجور المجزية«. وافهم معنى أن تكون الأجور مجزية في ظل قانون قضائي لا يحاسب بشدة الطرفين في أثناء النزاع المهني، خاصة وان القطاع الخاص يجد نفسه قادرا على الضغط في حالات كثيرة. وفي بيئة سياسية ديمقراطية ربما نقع في نزاعات عمالية دائمة كما نشهدها في العالم الرأسمالي برمته، فلا يمكن أن نتخيل أنفسنا جنة هادئة وسعيدة وسيكون مخاضها مريحا وولادتها للرؤية سهلة، بدون اجتياز تلك التحديات المطروحة وتذليل معوقاتها. كنت في إحدى المرات اسأل نفسي أي نوع من قطاع خاص هذا الذي ليس على استعداد لدفع ضريبة الديزل؟!، وكانت الضريبة ما يقرب ٠٩ فلسا، وهم الذين بسياراتهم يلوثون المناخ ويحتجزون الطرق ويفعلون ما يرغبون، بسواق لم يدربوا على قيم السياقة قبل أن يجلسوا للمقود.
هكذا هدد المقاولون بالاعتصام احتجاجا على تلك الضريبة، والتي ستكون في النهاية عائدا للدولة والتي يتم تدويرها ضمن ميزانية الدخل الوطني! مثل هذه الذهنية لا يمكنها أن تتفهم معنى الارتفاع بمستوى معيشة الناس وتحسين أجورهم، طالما أن المناقصات لديهم باتت مضمونة أيضا. لقد اعتاد بعض من القطاع الخاص على الدلال مثلما اعتاد البعض منهم على المضايقة، فذلك يعتمد على طبيعة القطاع، الذي يعمل فيه وطبيعة المنافس المتنفذ. لا نريد أن نسمع باستمرار الاسطوانة المشروخة بحكاية هروب الرأسمال والاستثمارات لمجرد أن اعتصاما حدث هنا أو إضرابا حدث هناك، فالمؤسسات الأجنبية لا تحمل أوراقها ومؤسساتها وتهاجر أو تنتقل لمجرد حدث نزاع عمالي قابل للتفاوض وإنهاء الوضع ضمن القانون، وإذا ما عجزت وسدت في وجهها الأبواب، فإن خياراتها النهائية حينذاك تصبح الرحيل إلى مكان أخر. وعادة لا تختار الشركات الأجنبية بلدا دون علمها بكل مناخه السياسي والقانوني، ولكن الجاذبية الاستثمارية للمكان تحتمها أوضاع دولية وإقليمية والى حد كبير أيضا المحلية، وربما أي خلل في تلك الحلقات قد يؤثر على وضعها ونشاطها. لهذا ستبدو لنا الرؤية متكاملة إذا ما نجحت بالفعل الحكومة والمؤسسات والمنظمات المهنية والسياسية تفهم عملية التنازل، ومنح الأولوية للمواطن في كل القضايا، فلا توجد حجة لأي فرد يرفض العمل عندما تصبح الأجور مجزية، مثلما لا يحق لرب العمل البحث عن ذرائع المهارة، فكل وظيفة يشغرها عامل أجنبي بالإمكان أن يتم الإحلال محلها بعد التدريب والتأهيل.
صحيفة الايام
11 نوفمبر 2008