المنشور

حينها لم يكن يسأل !!


 
كان يقول :

من المستحيل أن تنضب العيون التي وهبها ” أنكي ” أرض الحياة المقدسة ” دلمون ” لتملأ الأرض والوسع والجسد خصبا وخلودا ، لتتخلق ينابيع عذبة موارة ، شرايينها جداول تزهو في انثيالاتها الأزلية ذائقة النشوى ,
لتتبرزخ كويكبات تحيط الضمأى بحلوها الفاتن المستحيل ، لتمنح المقل الولهى قرتها الناعشة ..



***
كان يقول :


من كانت عذاري داره الأولى فلا عجب ولا غرابة إن غنم بيفاعة الأبد ..
حينها لم يكن يسأل :
من الذي وهب العمى لتلك العيون المقدسة الخالدة ؟
من الذي استحوذ السراب مخيلته فدلق الوهم في جداول الروح النشوى ؟
من الذي عقر ماء الخلق حتى عقم ؟
من الذي أودى برحيق صلصال الطفولة والذاكرة ؟
من الذي أخصى يفاعة الخصب وزهوته ؟



***
كان يقول :
من المستحيل أن ينفد البحر الذي تعرشت مآوينا مداه ..
تشكلت حناجرنا البكر من هدير موجه ..
تنامت سواعدنا من عنيف عبابه ..
خفت أقدامنا من شفيف شواطئه ..
تخلقت رئتنا من عميق لججه ..
توازنت قاماتنا من كثيف مده ..
رقّت ولانت رواهفنا من نسيم صيفه ..
تعافت أجسادنا ونفوسنا من حصاد ملحه ..
تواشجت أنفاسنا من عبق عشبه وطحالبه ..
تجمل صبرنا وانتظارنا من مجهول كنزه ..
تزاوجت سحبنا من زفير شوقه ودفئه ..
أخصبت وتوالدت من شهيق عشقه ..
تراقصت وتناغمت أهازيجنا من أقواس قزحه ..



***

كان يقول :
من كانت البحرين موطيء عرقه فقد نال كل الماء ..
حينها لم يكن يسأل :
من الذي صيّر الجزيرة الجميلة الزرقاء يابسة شاحبة صفراء عنيفة قاسية تختنق الأنفاس بزوابعها الغبارية السامة ؟
من الذي خوّل أبراج الإسمنت والخرسانة والحديد للجثمان على مدافق خصبها ؟
من الذي أزهق أرواح الكائنات البكر التي تعتاش على مراوغات وخزها الدائم والدائب طفولتنا وصبانا ونزهتنا ؟
من الذي أهلك البحر بالزيت الصادر من بوارج الموت والفتك ؟
من الذي ” رمّد ” فسحة مرآنا ؟
من الذي ” منح ” البحر أنقاضه ووهبه أسونة مستنقعه ؟
من الذي كان يعلم بأن البحر روحنا وجسدنا وزمننا وأفقنا ومدانا فراح يردمه ويعصف به ؟



***
كان يقول :
من المستحيل أن نفقد طين خلقنا الذي تشكلت أجسادنا ومآوينا من لدونة روحه ..
تصلصلت مخيلتنا وأحلامنا من طراوة رائحته ..
تخضبت وجوهنا وأيادينا وأرجلنا من رضاب شهده ..
تخلقت وتزخرفت أوانينا من موجات فخاره الراقصة ” الغنوج ” ..
دفئت وتلطفت أجسادنا ونفوسنا من محو ألواحه ..
تخضرت وتزهرت أحجارنا وأجرنا وجدراننا من نطفات خصبه ..
تخلد جثماننا من حنوه ورأفته ومن وسادته التي تبعث برائحتها الزكية الحياة في الروح والجسد ..
تراقص الفطر والكمأ من عذوبة غناء مواسمه ..



***

كان يقول ::
من كان موطئ رأسه طين دلمون فقد كتبت له الحياة حتى في الموت ..
حينها لم يكن يسأل :
من الذي حجّر وصخّر الطين ووهبه قاسي الجفاف ؟
من الذي أودى بأخضر الأرض وزاهر القلب ؟
من الذي سرق من أجسادنا لدونة الخلق وأثير الروح ؟
من الذي ” خرسن ” مآوينا وأحرقنا بلهيب حديده ؟
من الذي أفقدنا رائحة الحب والحنين والذاكرة البكر والحلم ؟
من الذي ” هيكل ” جثماننا في أول القبر ؟



***
كان يقول :
من المستحيل أن تموت النخلة أو تهوي تلك التي تشامخت قاماتنا من عتيد جذورها وذرى باسقيتها ..
تهادت مآوينا من أخضر جريدها وخوصها ..
انتعش قيظنا من رعشات انتشائها ..
تعطرت أفواهنا من زكي طلعها ولقاحها ..
تزاهت أعراسنا وأفراحنا من تيجان جنيها ..
تباركت نذورنا من ظل عرشها ومهاب قدسيتها ..
تشكلت أزياء نسوتنا من خلاصة خصبها ..
” تخايلت ” نواعمنا من طراوة جريدها ..
تهجت وتوضحت وترمزت كلماتنا وأقوالنا وعباراتنا من شفيف لحائها ..



***
كان يقول :
من كانت النخلة بيرقه لا تغزى دياره ..
حينها لم يكن يسأل :
من الذي ” عطّش ” النخلة حتى ماتت ؟
من الذي جردها من مائها وسندسها ؟
من الذي اقتلع جذورها وهوى بروحها ؟
من الذي أحالها مقبرة لأشباح الجذوع ؟
من الذي لوث الهواء الذي تتنفسه وتحياه ؟
من الذي اجتثها ليمتحفها ويسوحها ويسوقها ؟
من الذي انتهك عذريتها وأرجأ الزواج المقدس إلى أجل غير ” منخّل ” ؟
من الذي جرفها وأقام أبراج الإسمنت والحديد على صدرها ؟
من الذي أعقر لب طلعها وأفسد ذائقتنا ومذاقنا الأولين ؟
من الذي أزكم أنوفنا بدخان العوادم والغاز وحرمنا نعمة الإنتشاء برائحة اللقاح في مواسم النخيل ؟



***

كان يقول :
 من المستحيل أن يختنق الهواء الذي تكونت رئتنا وأنفاسنا وحياتــنا من أثيره ..
تعبقت روحنا من زكي مسكه و” محمديّه ” وياسمينه ورازقيه ومشمومه ورياحينه ..
رقّت أجسادنا ومشاعرنا من لطيف نسيمه ..
تصاهلت أصواتنا من مزامير شوقه وجموحه ..
تطايرت وتقاطرت أوراقنا الطفلية السحرية والحلمية من فسيح فضائه ..
تمايلت ” نشول ” صبايانا وأمهاتنا وتراقصت من هبوب ” شماله ” ..
تصافحت أشواقنا من رفيف ” رُعاشه ” ..



***
كان يقول :
من كان هواؤه الشمال فقد فاز بنسيم الجهات كلها ..



***
حينها لم يكن يسأل :
من الذي خطف الهواء من رئة الحياة ؟
من الذي ” أودع ” العفونة في روائح ” الطيب ” ؟
من الذي حاصر الشمال والجهات بدخان البوارج والغاز ؟
من الذي أسقط طائرتنا وطيورنا الورقية واستباح أحلامها ؟
من الذي أودى بنوارسنا ؟
من الذي نكس بيارقنا ؟
من الذي حشى بقايا الندى بسواد الزيت ؟



***
كان يقول :
من المستحيل أن يفنى من كانت أرض الحياة المقدسة موطنه ..
من كان حرا وسعيدا ..
من كان جسورا وأبيا وكريما ..
من كان صوته مقدسا وخالدا ..
من كان الماء والبحر والطين والنخل والهواء عناصره الأولى ..



***
حينها لم يكن يسأل !! ..