بالرغم من المحاولات والجهود التي بذلت لتوثيق تاريخ الحركة العمالية والنقابية، هذا التاريخ الذي شهد منذ عقد الخمسينات تحديداً تحركات عمالية ونضالات مطلبية منظمة فإن رغم أهمية هذه المحاولات إلا انه لا يزال هناك الكثير من المحطات النضالية التي يجب تدوينها وتقييمها تقييماً يتسم بالمصداقية والحيادية والموضوعية حتى لا تغيب تلك المحطات والحقائق والأدوار فردية كانت أم جماعية.
إن النقابيين الأوائل وكل النشطاء لعبوا دوراً فعالاً في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة البحرينية وان هؤلاء الذين قدموا التضحيات الجسام وخاصة الذين مازالوا على قيد الحياة هم المعين والمرجعية لتوثيق هذا التاريخ المشرق، بمعنى لولا إرادة هؤلاء الصلدة التي تميزت بنكران الذات ولولا نضال سائر الكادحين ونشاط الحركة الوطنية والتقدمية والتضامن الاممي مع تنظيماتنا العمالية والنقابية السرية لما برز دور الطبقة العاملة البحرينية التي بالفعل كانت مسيرتها حافلة بالنضال من اجل تحقيق المطالب والحقوق العمالية والنقابية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكافة العاملين والمستخدمين.
ومن المعروف ان هذا الدور ازداد عمقاً ووعياً عمالياً وخاصة عندما شكلت اللجنة التأسيسية للاتحاد العام للعمال والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة عام “1972” وعلى اثر نهاية دور هذه اللجنة تصاعد نضال الطبقة العاملة الوطني والنقابي ولاسيما بعد تشكيل النقابات العمالية الأربع في ألبا، وإدارة الكهرباء، ووزارة الصحة، والبناء والمهن الإنشائية ومن هنا كانت الإضرابات العمالية السلمية التي انتشرت في مواقع عمل كثيرة تعبيراً سليماً عن مصالح الجماهير العاملة ومن هنا أيضا أدت لجنة التنسيق بين النقابات واللجان العمالية دوراً هاماً في قيادة النضالات العمالية والنقابية والكل يعلم انه في تلك المرحلة تعرضت الحركة العمالية والنقابية الى صعوبات كثيرة وفي مقدمتها حملات الاعتقالات التعسفية التي شملت الكثير من قيادات هذه الحركة والى جانب ذلك الفصل التعسفي ولا شك ان هناك صعوبات أخرى أرهقتها كالأخطاء الذاتية وعلى سبيل المثال حالة التفرد في اتخاذ القرارات!!
ويمكننا ان نلاحظ ذلك في مقالة كتبها النقابي البارز عباس عواجي في صفحة الملتقى بجريدة “الأيام” العدد “7131” تحت عنوان هشام الشهابي – اللجنة التأسيسية.
في هذه المقالة التي أبَّن فيها كلا من المناضلين جمال عمران واحمد الفاتح وهشام الشهابي تعرض إلى شيء من تاريخ الحركة العمالية في مرحلتي الستينيات والسبعينيات والأكثر تحديداً تعرض إلى النضالات العمالية والنقابية من اجل تطبيق قانون العمل لعام “1957” ومن المفاصل المهمة التي تعرض اليها أيضا الإضرابات العمالية مع بداية الستينيات وانتفاضة مارس “1965” ولكن الأهم من ذلك سلط الضوء على بعض السلبيات التي شهدتها هذه الحركة على الصعيد الذاتي وهذه حقيقة يجب الوقوف عندها.
يقول عواجي: عند تشكيل اللجنة التأسيسية كانت القرارات تؤخذ بشكل ديمقراطي ويغلب عليها الطابع الجماعي المتمثل في الاجتماعات المنتظمة مع دائرة العمل لشرح المطالب العمالية إلا أن في بداية عام (1972) حصلت انتكاسة في جسم اللجنة التأسيسية بداية لم نشعر بثقله وهو المتمثل في سفر علي الشيراوي لحضور المؤتمر الطلابي في دمشق والكويت وكذلك سفر هشام الشهابي لمواصلة الدراسة وان غياب الاثنين في الخارج جعل معظم القرارات تؤخذ بشكل فردي وتأتي في شكل قوالب جامدة يصعب مناقشتها او التعاطي معها مما اضعف القرار الجماعي وكثر التخبط في التخطيط للعمل النقابي هذا ما جعل الكثير من الكوادر العمالية تتلكأ في حضور الاجتماعات والأمر الآخر ومع سفر الشيراوي والشهابي مكن بعض العناصر غير المحسوبة على الفكر النقابي وهذا تسبب في اتخاذ قرارات فردية أضعفت الحركة العمالية تنظيمياً.
على العموم ما أشار إليه “عواجي” ليس إلا نموذجاً لأخطاء وقعت وهذا بالطبع يُثير تساؤلات ليس بهدف التشكيك وإنما بهدف الوقوف على السلبيات التي كانت تعاني منها الحركة العمالية.
الخلاصة، الجهود التي تبذل من قبل المنبر “التقدمي” و”وعد” من اجل توثيق تاريخ الحركة الوطنية والتقدمية والعمالية خطوة نأمل التجاوب معها وخصوصاً في المرحلة الأولى مرحلة جمع المعلومات والاهم ان هذه المعلومات ينبغي أن توثق بحيادية تامة بعيدة عن المبالغة والتشويه وبعيدة أيضا عن تجاهل دور الآخرين.
ألأيام 8 نوفمبر 2008