بعض المراقبين السياسيين والمتابعين للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، يستبعدون أو يشككون في إمكانية فوز المرشح الرئاسي الديمقراطي السيناتور باراك أوباما بالرئاسة، وذلك للخبث السياسي المتجذر في جسد الإدارة الأمريكية وقدرتها الفائقة على تغيير اتجاه بوصلة الانتخابات لصالح المرشح الرئاسي الجمهوري الأبيض (مكين) في (غمضة عين)، مستعينة بشتى السبل والأحابيل والمكائد التي من شأنها أن تنتقص من شأن أوباما ومن شعبيته الكاسحة حتى لحظة نشر المقال.
من جهتي كمراقب دس أنفه عنوة في الشأن الانتخابي الأمريكي، حبًا في أوباما لا في السياسة الأمريكية، أرى أن أوباما قد حقق فوزًا لم يحققه مرشح أمريكي منذ عقود انتخابية متواصلة.
ألا يعد صمود مرشح أسود منذ بداية الانتخابات الرئاسية وحتى يوم إعلان نتائج الانتخابات، ألا يعد فوزًا؟ فمتى تمكن مرشح أسود من الصمود في وجه العاصفة البيضاء والعنصرية حتى نهاية الدور الأول في الانتخابات الرئاسية؟ ومتى تمكن مرشح أسود منذ أربعة عقود من إقناع الشعب الأمريكي بمختلف أعراقه وأثنياته بضرورة مشاركة الأسود بجانب الأبيض في الانتخابات الرئاسية؟ ألا يعد ذلك فوزا لباراك؟ أليس هو من قال في كلمته التي ألقاها في بوسطن أثناء انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 4002: ‘لا وجود لأمريكا يسارية وأخرى محافظة، هناك الولايات المتحدة الأمريكية، لا وجود لأمريكا سوداء وأخرى بيضاء أو لاتينية أو آسيوية، هنالك الولايات المتحدة الأمريكية فقط، نحن واحد’، ألا تعد هذه الكلمة التي نادت إلى توحيد الصفوف وإلغاء الأعراق والطوائف من قاموس الولايات المتحدة فوزًا لأوباما وأمريكا المواطنة؟
ألا يعتبر جذب أوباما حشود شبان منطقة أيوا التي يشكل البيض فيها 59٪ من السكان، جذبهم إلى اجتماعاته فوزًا على العنصرية التي تأصلت زمنًا غير عاديًا في جسد الخارطة الأمريكية؟
ألا يعتبر رده على بعض مسؤولي الجالية السوداء حين اتهمته بأنه ليس أسودًا بدرجة كافية، كافيًا لإثبات أن أمريكا للأمريكيين وليست للسود أو البيض؟ لنتأمل هذه الكلمة التي أطلقها أوباما للرد على (حسرة) الجالية السوداء: ‘بالنسبة للبعض ما زالت أمريكا تعيش في الماضي، الخطاب السياسي للسود ما زال راسخًا في الستينيات، لا أعتقد أن هذه الأمور هي التي تشغل غالبية الناخبين السود ولا غالبية الناخبين البيض’.
إن أوباما الذي يطمح أن يكون رئيسًا لأمريكا، يأمل ألا يشكل لون بشرته رهان الانتخابات الرئاسية، ألا يعد ذلك التوجه الأوبامي نحو أمريكا للأمريكيين لا للسود أو البيض أو الملونين فوزًا بدى مفعوله يتغلغل في أوساط البيض قبل السود؟
ألا يعتبر تأكيد أوباما على أنه سليل القانون لا الديانات والطوائف والأعراق ردًا على المسلمين والمسيحيين واليهود الذين وجدوا فيه الرئيس الذي سيمثلهم نظرًا لتداخل أعراق عائلته؟ ألا يعتبر ذلك فوزًا للقانون من شأنه أن يقرب بين جميع الأديان من منطلقه الإنساني والأخلاقي.
ألا يعتبر إقناعه الشعب الأمريكي بأن الإدارة الأمريكية متورطة في الفساد وأنها إدارة لا يهمها في هذا العالم كله سوى الحروب والتضحية بالشعب الأمريكي قبل الشعوب الأخرى، بجانب تناوله قضايا الفقر والتعليم والهجرة، ألا يعتبر ذلك الإقناع فوزًا لأوباما؟
هل يمكن أن نعتبر قدرة أوباما الهائلة على إدارة مشروع تأهيل وتنمية أحياء الفقراء في مدينة شيكاغو منذ عام 1985 أمرًا آخر غير فوز أوباما بمشروع تتعايش فيه كافة الأعراق من الفقراء بمختلف ألوانهم؟
ألا تعتبر خطوات أوباما الأولى في عالم السياسة عندما أصبح مديرًا لمشروع التصويت في الينوي عام 1992 ومساعدته مائة وخمسين ألف فقير على تسجيل أسمائهم في سجلات الناخبين، ألا تعتبر فوزًا لأوباما؟ أليست تلك الخطوات التسعينية المبكرة رصيده الانتخابي في الألفية الثانية؟
ألا يعتبر كتاب أوباما الأخير (جرأة الأمل) الذي لخص فيه برنامجه بوصفه مرشح التغيير والأمل في أمريكا، جرعة قوية وناجعة تقوده نحو الفوز، وخاصة أن هذا الكتاب أقرب لوثيقة مكثفة عن أمريكا الجديدة التي يطمح في تحققها أوباما، مثلما يطمح إلى ذلك الشعب الأمريكي ودعاة الحرية والسلام في العالم؟
ألا يعتبر وصول أوباما إلى (نهائي) الانتخابات الرئاسية والتي لم يصل إليها أي أمريكي أسود منذ أربعة عقود، فوزًا لأوباما ومناهضي العنصرية في أمريكا والعالم؟
هذا الفوز الذي حققه باراك أوباما قبل أن يفوز بمقعد الرئاسة الأمريكية، فماذا لو فاز أوباما به؟ كيف سيرى المراقبون المستبعدون والمشككون مشهد هذا الفوز؟!
الوطن 5 نوفمبر 2008