احتجاج بريطانيا ووكالة الطاقة الدولية على قرار منظمة الأقطار المصدر للنفط ‘أوبك’ في اجتماعها الطارئ الذي عقد في فيينا في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي القاضي بإيقاع خفض في إنتاج المنظمة بواقع 5,1 مليون برميل يومياً .. واعتبارهما هذا القرار خطوةً لا تساعد على استعادة الأسواق والاقتصاد العالمي لعافيتهما هو موقف غريب، إن لجهة البحث كيفما اتفق عن كبش فداء لإلقاء مسؤولية ما جرى من انهيار مالي عالمي عليه، أو لجهة عدم دبلوماسية اللغة التي جرى التعبير بها عن ذلكم النزق الذي طفحت به أجهزة الميديا الغربية عقب إعلان أوبك عن قرارها خفض الإنتاج.
فما الذي فعلته أوبك سوى أنها تحركت إجرائياً لمقابلة استحقاقات الأزمة الاقتصادية العالمية تماماً على النحو الذي فعلته الدول الغربية عندما هبت فرادى وجماعياً لمحاولة وقف تداعيات الأزمة وأضرارها البليغة على كياناتها الاقتصادية بعد أن وصل إليها الإعصار المالي؟
وهل فكرت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في الانعكاسات المتوقعة لإجراءات الاستجابة (Response Measures) التي اتخذتها درءاً لأخطار الأزمة، على مصالح بقية الدول والمجموعات الاقتصادية العالمية؟
طبعاً كلا، فلقد تصرف الجميع بوحي من عقلية ‘يا روح ما بعدك روح’. فلم تنتظر أيرلندا أو اليونان قراراً (قد يأتي متأخراً) من الاتحاد الأوروبي يضمن ودائع المودعين ويوقف هلع الناس واندفاعهم لاستعادة أموالهم وتعميق أزمة السيولة المندلعة.
وهل كان منتظراً من مجموعة الدول الثلاث عشرة الأعضاء في أوبك أن ترى سعر سلعتها التي تشكل عصب حياتها الاقتصادية والتنموية وهو يهوي من 147 دولاراً للبرميل في يوليو الماضي إلى ما دون الستين دولاراً (يوم الاثنين 27 أكتوبر 2008) من دون أن تحرك ساكناً لمحاولة وقف هذا التدهور على الأقل؟
علماً بأن تحرك المنظمة قد جاء متأخراً للغاية وأنه اتخذ على وجل وفيه كثير من التحوط لردات فعل الدول المستهلكة.
بل إن حجم التخفيض المقرر وهو 5,1 مليون برميل يومياً لا يكاد يغطي حجم الفائض في السوق وقت اتخاذ القرار وهو 2 مليون برميل يومياً.
ولذلك فإنه يصبح من المحتم أن تقدِّم أوبك اجتماعها المقبل المقرر في شهر ديسمبر 2008 وأن تتخذ قراراً آخر بالتخفيض بواقع 5,1 مليون برميل يومياً كي تتمكن من الحصول على استجابة أكبر من الأسواق فيما يتعلق بتذبذبات السعر.
لبريطانيا والولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية التي عبرت عن قلقها وخيبتها (!) من قرار أوبك يوم الجمعة 24 أكتوبر 2008 خفض إنتاجها بواقع 5,1 مليون برميل يومياً، نقول إن العالم أجمع، بما في ذلك التجمعات الاقتصادية الراسخة مثل الاتحاد الأوروبي، لم يتخذ – حتى اللحظة على الأقل – قراراً واحداً يعبر عن مصالح المجموع، فيما عدا التخفيضات المنسقة لأسعار الفائدة لتخفيف الضغط عن السيولة والمتخذة من جانب الاحتياطي الفدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا.
واجتماع مجموعة العشرين الذي تقرر عقده في الولايات المتحدة (مكان اندلاع حريق الأزمة) في الخامس عشر من نوفمبر الجاري، لن يكون نزهة للدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة التي تعول على الحصول على دعم الدول المشاركة لاسيما الآسيوية منها لتجاوز مأزقها.
أوروبا نفسها لجأت للدول الآسيوية للحصول على موقف داعم لمطالبها في هذا الاجتماع من خلال عقد قمة مشتركة للخروج بموقف موحد يجبر الولايات المتحدة على الاستجابة لطلب الأسرة الدولية بإعادة النظر في النظام المالي والنقدي العالمي.
الغربيون يريدون اليوم من الصين والهند وروسيا والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية ودول النمور عموماً شيئين هما الحصول على التمويل لدعم موازين مدفوعاتهم، وأن تفتح الدول الآسيوية أسواقها لاستقبال السلع الغربية لتخفيف عجوزات موازينها التجارية وبالتالي المساهمة في تخفيف عجز موازين المدفوعات.
والمتوقع أن لا تعطي هذه الدول شيكات على بياض للدول الغربية من دون الحصول على مواقع جديدة في النظام المالي والنقدي العالمي لما بعد الأزمة.
والمتوقع أيضاً أن تنسق دول مجلس التعاون مع المملكة العربية السعودية التي ستشارك في ذلك الاجتماع موقفها دفاعاً عن مصالحها في النظام المالي والنقدي الدولي قيد المناقشة
الوطن نوفمبر 2008