المنشور

شاهر‮ .. ‬ظاهر‮!‬

ورد في‮ ‬جريدة الأيام بتاريخ ‮٩١ /‬أكتوبر ‮٨٠٠٢ ‬خبرا أذهلني‮ ‬من جوانب عدة،‮ ‬وجلست اقلب فيه من كل الجوانب كما هي‮ ‬العادة مع كل خبر‮ ‬غريب‮. ‬وبعد التأمل في‮ ‬طبيعة الخبر قررت اختيار العنوان التالي‮: ‬جرأة الفساد ووقاحته،،‮ ‬ولكنني‮ ‬قررت أن استبدله بالعنوان المكتوب‮. ‬فما هو‮ ‬يا ترى ذلك الخبر الغريب والعجيب؟‮! ‬هو أن‮ ‬يطرق شخص باب وزير البلدية والزراعة د‮. ‬جمعة الكعبي،‮ ‬ويقدم للخادمة وابنه بطاقته الشخصية‮ »‬البزنس كارد‮« ‬مع مبلغ‮ ‬كبير وهدايا عينية ثمينة‮ . ‬أما الشخص الجريء فهو مسؤول كبير في‮ ‬شركة للنظافة،‮ ‬وبالفعل هو شخص نظيف وينتمي‮ ‬لشركة النظافة المعنية بتنظيف مدننا وقرانا،‮ ‬ولكن كيف لشركة نظافة تمارس الفساد ستكون أمينة على حياه الناس ونظافتهم؟‮! ‬هذا ما لا افهمه في‮ ‬شركة نظافة هكذا تصبح ممارساتها؟ والجرأة وغرابتها لا تكمن في‮ ‬طرق الأبواب بقدر ما باتت بيوت الناس وليس الوزراء وحدهم عرضة لتدنيسها بالوساخة في‮ ‬وقت‮ »‬مطلوب‮  ‬تنظيفها‮« ‬من أدران الفساد‮. ‬والأغرب من كل ذلك أن الوزير الجديد لم‮ ‬يمارس موقعه أكثر من أسبوعين،‮ ‬فكان على الشركة الانتظار لمعرفة بواطن الأشياء قبل الشروع في‮ ‬السقوط في‮ ‬مستنقعات شيطان الرشوة وخبائث الأمور بهذه السطحية‮. ‬فهل علينا أن نصدق بأن كل هؤلاء المفسدين في‮ ‬الأرض بهذا الغباء أو أنهم بهذه الجرأة،‮ ‬إلى حد اعتادوا عليه سابقا بممارسات مثيلة تمرسوها خلال عقود ثلاثة،‮ ‬فأصبحت رائحة الفساد أصعب من إمكانية تنظيفها بشركة نظافة من هذا القبيل‮! ‬
‮ ‬حقا تستحق هذه الشركة وبكل جدارة بعد سقوط مندوبها بهذا الوحل الفاضح شركة نظافة الأوسكار الدولي‮ ‬أو جائزة نوبل للنظافة‮ . ‬يبدو أن منظمة الشفافية لا تحتاج لمجهود اكبر لمعرفة حقائق الأمور بعد تلك الحكاية،‮ ‬اللهم إن الحكاية المعلنة تخفي‮ ‬حكاية‮ ‬غير معلنة كما‮ ‬يود ماركيز تسمية روايته،‮ ‬فعادة الناس‮ ‬يرون حكايات أمامهم ولكنهم لا‮ ‬يرونها بكل حرية،‮ ‬وهذا ما اعتادوا عليه في‮ ‬المرحلة السابقة،‮ ‬بحيث أصبحت أبواب الناس وحياتها أكثر عرضة للطرق الفاسد،‮ ‬الذي‮ ‬يحمل لك ولعائلتك روائح الفساد قبل الشروع في‮ ‬ممارستها بخفاء أو على اقل تقدير ليس بهذه الحماقة‮. ‬شيء ما‮ ‬يثير التساؤل إزاء وزارة معرضة إلى الهجوم في‮ ‬هذه المرحلة فهل‮ ‬ينوون إدخالنا في‮ ‬دهاليز الجوانب الهامشية قبل أن‮ ‬يبدأ مجلس النواب دورته الثالثة؟ ويأتي‮ ‬غرابة الموضوع وطريقته المسرحية في‮ ‬زمن متقارب مع خطاب جلالة الملك،‮ ‬الذي‮ ‬تمحور صلب نصه الأساسي‮ ‬في‮ ‬تحسين ورفاهية وتنمية حياة المواطن باعتباره هو المركز الأساسي‮ ‬لتلك الدائرة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية‮. ‬ما فعله مندوب شركة النظافة مطرقة كبيرة فوق الرأس أكثر من كونها طرقا على الباب لرجل حمل معه،‮ ‬كيسا من الذهب والفضة،‮ ‬ولم‮ ‬يجهد نفسه بالبحث عن وسائل أكثر تقليدية في‮ ‬عالم الرشوة‮. ‬
وكان على شركة النظافة تلك أن تدرس الخبرة البحرينية والعالمية في‮ ‬مجال الفساد،‮ ‬ثم تضع خطتها للوصول للوزير الجديد،‮ ‬لكي‮ ‬تنفذ من بنيانه ونقاطه الضعيفة إن‮ – ‬وجدت‮ – ‬ما‮ ‬يثير استغرابي‮ ‬هو تلك الحكاية الجديدة في‮ ‬إفشاء لعبة الرشوة بهذه السهولة وتخطيها أسوار التكتم المعهودة،‮ ‬بل ووضع كل الإمكانيات لنكرانها،‮ ‬فهناك قصص ستطرأ علينا بعد مدة،‮ ‬إذ سيقال لنا إن الخادمة لم تحسن معرفته بدقة،‮ ‬وان الابن كان صغيرا والاضاءة ليست كافية،‮ ‬وان البطاقة الشخصية مسروقة ولأشخاص آخرين،‮ ‬ومن قدموا الرشوة‮ ‬يريدون،‮ ‬إما امتحان الوزير في‮ ‬نزاهته أو توريطه في‮ ‬لعبة قبول الرشوة بهذه الطريقة،‮ ‬وإذا ما بلع الطعم فان الأمور الأخرى تكشف عن طريق سهل لعالم النظافة الخفية‮!‬
‮ ‬كان هذا البالون مجرد اختبار لنزاهة الوزير أو محاولة إبراز مرحلة جديدة من الوزراء الجدد،‮ ‬بعد أن أغرقتنا الاستجوابات السابقة في‮ ‬نزاهة هذه الشخصية أو تلك‮. ‬وإذا ما اختلت الأشياء المغطاة بسرية اللعبة،‮ ‬فان الحكاية الغريبة ستقودنا إلى دهاليز اللعبة المنتظرة‮! ‬والمساءلات الساذجة‮! ‬السؤال الأهم في‮ ‬هذا الخبر العجائبي‮ ‬الم‮ ‬يجد من وضعوا تلك الخطة وسيلة أذكى من ذلك؟ ربما أكون شخصيا ضحية وطعما للعبة لكي‮ ‬يتم زج الإعلام والكتابات حول ظاهرة الفساد ونزاهة المسؤولين،‮ ‬أو على الأقل الدفع في‮ ‬اتجاه التركيز على هذه المسألة ولو لوقت الانشغال بأمور‮ ‬ينبغي‮ ‬التركيز عليها في‮ ‬الأشهر القليلة القادمة؟
‮ ‬ما تعلمنا هذه الحكاية من درس هو أن من‮ ‬ينشرون الفساد هم من‮ ‬ينادون بالنظافة،‮ ‬ولن تكون شركة النظافة تلك ابعد عن فساد من لا‮ ‬يملكون فقط شركات‮ ‬غير نظيفة،‮ ‬فكل الذين‮ ‬يمارسون الرشوة هم بالضرورة‮ ‬يحتاجون إلى تنظيف في‮ ‬مؤسسات كثيرة،‮ ‬انطلاقا من مبادئ الميثاق الوطني‮ ‬والدستور،‮ ‬فتطهير البيت وتنظيفه‮ ‬يبدأ من الداخل‮!.
 
صحيفة الايام
2 نوفمبر 2008