تتراوح ردود الفعل السنوية على التقرير السنوي للرقابة المالية، إعلامياً ونيابياً وقوى سياسية، بين التأييد بلا حدود الى التأييد المتحفظ الى المعارضة المعتدلة المتوازنة ببيان ما له وما عليه الى المعارضة المتشددة التي لا تذكر للتقرير أي حسنات اللهم في أحسن الأحوال سوى فتات لا تغني ولا تسمن من جوع.
وبهذا فإن النقد الموضوعي المتوازن الهادئ ببيان ما للتقرير وما عليه هو أفضل أشكال المنهجية في دراسة التقرير وتحليله تحليلا موضوعيا، بعيدا عن الصورة الوردية المثالية وبعيدا عن النقد السياسي العاطفي المتأجج الذي لا يرى ما يصدر عن الحكومة والجهات الرسمية سوى صورة سوداوية أو مجرد تقارير إنشائية ومبالغات دعائية بعيدة عن الحقيقة وما يموج به الواقع من مظاهر منافية عكسية لا تمت لتقارير الحكومة بصلة.
وعلى الرغم مما قيل وسيقال عن تقرير الرقابة المالية لهذا العام من انتقاد ومآخذ يمكن أن تؤخذ عليه، فإنه يبقى مع ذلك، حتى في حدود الهامش الذي يتحرك فيه، من أفضل التقارير الرسمية الحكومية مقاربة للشفافية والموضوعية النسبية وهو من الجوانب الإيجابية التي مازالت تُحسب لمشروع جلالة الملك باستمراره ــ التقرير ــ بنفس المنهجية للعام الخامس على التوالي وبنشره في وسائل الإعلام بما فيه من إيجابيات وسلبيات مهما كانت خطورتها من دون حذف أو مصادرة وذلك مقارنة بالتقارير الموغلة في الوردية، كتقارير حقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر، وإذا كان من الصعب ان نتناول في هذا الحيز الضيق كل ما حفل به التقرير من نقاط مهمة تشكل تحديات في مسيرة العمل الإصلاحي فإننا نستطيع ان ندرج بإيجاز شديد عددا من أبرز هذه النقاط:
1 ــ مصروفات تقدر بـ 2،11 مليون دينار غير مسجلة في مصروفات الدولة، وتجاوز عدة جهات حكومية الموازنة المعتمدة للمصروفات المتكررة، كوزارة الدفاع (13 مليون دينار)، وكوزارة الداخلية (4 ملايين دينار)، ووزارة الخارجية (مليون دينار).
2ــ عدد من الجمعيات السياسية.. توقع شيكات على بياض، من دون ذكر أية مبالغ في حالة سفر أحد مخولي التوقيع للخارج.
3ــ التأمينات الاجتماعية تواجه صعوبات في تحصيل اشتراكات التأمين ضد التعطل.
4ــ وزارة العدل تدفع من موازنتها راتب رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهو لا يتبعها ولا يدخل في اختصاصاتها.
5ــ وزارة الداخلية تفتقر الى سياسة معتمدة لصرف علاوة بدل سكن للعسكريين غير البحرينيين.
6ــ عدم وجود سياسات واضحة موثقة لتحديد أسعار الخام والخصومات الممنوحة عليه.
7ــ مخالفات في استضافة البحرين لفريق «الانتر ميلان« من قبل مؤسسة الشباب ومجلس التنمية وبلغت تكلفة المباراة 344،634 ديناراً من دون موافقة مجلس المناقصات.
8 ــ عدم وجود دراسات ميدانية لتحديد عدد الأسر الفقيرة في وزارة التنمية الاجتماعية.
9ــ ضعف الرقابة المالية في «طيران الخليج« وافتقارها إلى نظام مؤسسي على الرغم من إنفاقها 74،7 ملايين دينار كأتعاب استشارات.
10ــ امتناع هيئة الإذاعة والتليفزيون عن تشكيل مجلس إدارة جديد منذ انتهاء ولاية آخر مجلس عام 2000م.
11ــ وزارة المالية لم تجر عملية تقييم لجدوى خصخصة محطة الحد للكهرباء والماء.
12ــ وزارة الصحة تعفي فئات أو عددا من المرضى غير البحرينيين من رسوم الخدمات الصحية.
ويكتسب تقرير هذا العام أهمية خاصة كونه يصدر متزامناً تماماً مع ما يخيم على المنطقة من شبح الأزمات الاقتصادية والمعيشية المطردة الاحتدام، بما في ذلك استمرار تدفق موجات الغلاء الفاحش، فضلاً عن شبح عدوى أزمات الأسواق المالية العالمية وفي مقدمتها السوق الأمريكية.
كما يكتسب التقرير أهميته، وبما تضمنه من شفافية ومصارحة في عدد من جوانبه، كونه يأتي متزامناً تماماً مع تدشنين جلالة الملك مشروع «رؤية البحرين الاقتصادية حتى عام 2030«.
وإذا كان كل ذلك يُحسب لتقرير الرقابة المالية فيما يتعلق بجوانبه الموضوعية في المصارحة والشفافية في كشف أوجه السلبيات والأخطاء في المؤسسات الرسمية، فإن التقرير، وبعد مرور خمس سنوات على انتظام صدوره، بحاجة إلى قيام القائمين عليه بعملية رصد سنوي تتضمن نتائجها التقرير ذاته، بحيث يُحدد فيه بوضوح وشفافية ومصارحة كاملة الجهات التي قامت فعلا بالتعاون مع معدي التقرير بتصحيح أوضاعها وأخطائها، ولاسيما الخطيرة منها، والجهات التي لم تتعاون مع معدي التقرير، وبخاصة تلك التي تكرر ذات الأخطاء والانحرافات.
ولا شك ان السلطتين التشريعية والقضائية، فضلا عن الصحافة، لكل منها دور في تحليل ومتابعة التقرير والدفع باتجاه تطويره، والقيام بأعمال الرقابة التشريعية والمحاسبة القضائية للمتسببين في أوجه السلبيات والأخطاء المتكررة دونما تصحيح أو التزام جاد بتوصيات وقرارات التقرير نفسه، فضلا عن توصيات وقرارات البرلمان بغرفتيه.
وما لم يتم تحقيق كل ذلك فإنه لا معنى أبدا للصرف على إعداد تقرير سنوي مصيره خزائن وأدراج أرشيفات المؤسسات الحكومية. وهذا ما نخشاه حقا في ضوء تجربة صدور 4 تقارير سابقة.
صحيفة اخبار الخليج
26 اكتوبر 2008