لا تحدد هذه الحلقات تاريخاً لصلاحية الفكر الماركسي، ولا هي معنية بإصدار أحكام تقييمية نقدية له، لكنها سـ ‘تروي’ تاريخ تغلغل هذه الأفكار ومراحل عمله التنظيمي.. وبمثل ما درجنا عليه في حلقات (الإسلام الحركي في البحرين) و(مسيرة البعث) سنجتهد في توثيق ما وقفنا عليه من تاريخ تنظيم جبهة التحرير الوطني – البحرين (ج. ت. و. ب) وفق ما أمكننا جمعه من بعض الكتب والدراسات والمقابلات الصحفية مع من قدّر لهم أن يسهموا في بناء صرح هذا التيار، أو يلعبوا دوراً في تاريخه أو يقتربوا من أفكاره.. عسانا بهذه الإثارة نجدد إحياء رغبة قديمة في بناء ذاكرة وطنية بوثائقية رصينة يشارك فيها أصحاب الرأي والتجربة.
؟؟؟؟
يبدأ عضو المكتب السياسي والناطق الإعلامي بالمنبر الديمقراطي التقدمي فاضل الحليبي حديثه بقوله: ‘نشأت في بيئة وطنية، وقد انفتحت على الواقع السياسي مبكراً، فعندما كنت في صف السادس الابتدائي 1973 كانت البلاد على موعد مع الانتخابات النيابية لأول مجلس نيابي بعد الاستقلال. كان هناك نشاط واضح للشبيبة والحركة الوطنية، وكنا رغم صغرنا نمثل أصدقاء لأشقائنا وكنا ننظر بإعجاب كبير إلى المناضلين. كان فريج الحمام يعج بمناضلي جبهة التحرير الوطني البحرانية، وقد لعب الكثير منهم دوراً كبيراً في دعم مرشحي المنطقة للبرلمان مثل الأستاذ المرحوم حسن الجشي والدكتور عبدالهادي خلف، والذين نجحوا في الوصول إلى البرلمان بفضل نشاط ودور شبيبة الجبهة ومناضليها في الترويج الانتخابي لحملاتهم’.
ويقول: ‘في تلك الأجواء تأثرنا كثيراً بالأفكار التقدمية إضافة إلى ما لعبه الأدب الماركسي في عقولنا وربطنا بقضية العدالة الاجتماعية، كان للقصص والروايات والكتب الفكرية دور كبير علينا، أتذكر أنني قرأت قصة جورج حنا (عبيد الجبار) وهي أول قصة قرأتها، وحتى هذه اللحظة أحتفظ بهذه القصة التي تجمعني بها ذكريات عزيزة، تأثرت بالأجواء المحيطة بي من خلال الاطلاع على الكتب وكنا نشتري من المكتبة الوطنية التي كانت الموزع الوحيد لكتب دار الفارابي والطليعة ودار ابن خلدون، وكانت دور النشر هذه تطبع كتباً تقدمية كان الشباب متعطشين لها ويقرؤونها بشغف منقطع النظير. في تلك الفترة كانت الأفكار التقدمية سائدة رغم قسوة الظروف المحيطة بالعمل الوطني’.
ويضيف: ‘كانت نضالات وتضحيات الشخصيات التقدمية تزيد من إعجابنا بهذا الفكر رغم الاعتقالات التي كنا نشهدها لمناضليه ومستوى التضييق الذي يمارس عليهم، فقد كانت شخصيات مناضلة مثل علي دويغر (ابن خالتي وأحد مؤسسي جبهة التحرير) والأستاذ محمد حسين نصر الله وعبدعلي الخباز والنقابي عباس عواجي وشقيقي عباس الحليبي والأستاذ حسين الشيخ علي وغيرهم ذات تأثير كبير علينا، وكنا ننظر بإعجاب لنضال هؤلاء الذين قضوا سنوات طويلة في السجون، وفُصلوا من أعمالهم، وعاشوا حياة قاسية ومليئة بالمعاناة، وحرم البعض منهم من الحصول على سكن من وزارة الإسكان، فكانوا يشكلون بالنسبة لنا نموذجاً ساطعاً وقدوة في العمل الوطني’.
ويواصل: ‘وفي أجواء المجلس الوطني تأسس ونشط اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني ‘أشدب’ الذي يمثل الرافد العمالي الشبابي والطلابي لجبهة التحرير الوطني البحرانية (ج. ت. و. ب) وكان يرفد الجبهة بالمناضلين والكوادر الحزبية النشطة والمؤهلة، فحتى يصبح المناضل مرشحاً للتنظيم في جبهة التحرير لا بد أن يمر بفترة ترشيح واختبار طويلة يتم فيها تأهيله وتثقيفه وتدريبه على ممارسة النقد والنقد الذاتي والتثقيف الذاتي والعمل في وسط الجماهير من خلال اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب)’.. ولم يكن بالضرورة أن ينتهي كل منتسب لـ ‘أشدب’ إلى أن يكون عضواً في جبهة التحرير؛ فقد لا تكون قدرات الرفيق وإمكانياته تسمح له بالالتحاق بالعمل الحزبي، وهنا يجري في الغالب الاحتفاظ به في إطار العمل ‘الشبابي’ في صفوف ‘أشدب’، غير أن الكثير من قيادات أشدب صارت فيما بعد من القيادات البارزة في الجبهة’.
يواصل الحليبي حديثه بقوله: ‘كان ‘أشدب’ إذن المرحلة الأولى التي على الرفيق اجتيازها في طريق الحصول على عضوية تنظيم جبهة التحرير الوطني البحرانية (ج. ت. و. ب)، وكانت المؤسسة التي يحصل فيها الرفيق على التدريب وصقل القدرات التنظيمية تمهيداً للعمل الحزبي في صفوف الجبهة، وبالتالي فإن كل عضو منظّم في الجبهة لا بد وأن يكون قد اختبر العمل في ‘أشدب’، وليس كل من يلتحق بالأخير يكون مهيأً للعمل في الجبهة’.
تأسس اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب) إبان فترة المجلس الوطني في 16 مارس ,1974 وقد جاء تأسيسه كنتاج طبيعي للظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تمر فيها البلاد، حيث كان المد اليساري والوطني في مرحلة المجلس الوطني على أشده، وقد لعبت الشبيبة -كما مر- دوراً كبيراً في إسناد وصول ثمانية من ‘كتلة الشعب’ (تجمع الشيوعيين وشخصيات وطنية ديمقراطية) التي شكلتها جبهة التحرير، حيث فاز ثمانية من بين 12 مرشحاً من قائمتها، ولعبت الكتلة دوراً كبيراً في إيصال القضايا التي كان يتبناها اليسار ويطرحها في أدبياته وبرامجه السياسية، وشكل وجود كتلة الشعب في البرلمان أهمية كبرى حيث سجل انتصاراً سياسياً ذا مغزى، فلأول مرة يحصل أن يتواجد الماركسيون في برلمان خليجي بهذا الوضوح.
وقد لعبت جبهة التحرير الوطني البحرانية (ج. ت. و. ب) دوراً كبيراً في صياغة برنامج كتلة الشعب الانتخابي، ويرجع الفضل في ذلك للمناضل المعروف علي دويغر الذي لم يتمكن من المشاركة في الانتخابات بسبب القرار الصادر من مسؤول المخابرات الأول البريطاني إيان هندرسون والقاضي بترحيله خارج البلاد قبيل الانتخابات إلى المجلس الوطني في 7 ديسمبر 1973م. جاء تأسيس اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني (أشدب) بعد سنتين من انطلاق عمل الاتحاد الوطني لطلبة البحرين الذي تأسس في 25 فبراير ,1972 وقد ركز (أشدب) في عمله على مواجهة السلطة فيما يتعلق بالعمل الطلابي والدفاع عن القضايا الطلابية، ودعم ومساندة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين (ا. و. ط. ب) وتعزيز مكانته ودوره في قيادة الحركة الطلابية، والسعي لصياغة التحالفات الطلابية وتمتينها وترسيخ مفاهيم والتقاليد الصحيحة للعمل المشترك على الصعيد الطلابي.
وقد أصدر اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني (أشدب) في العام 1984 كتيباً بعنوان ‘العمل الطلابي الديمقراطي في البحرين: تصورات ومواقف’، بمناسبة مرور الذكرى العاشرة لتأسيس (أشدب) ومرور حوالي 12 عاماً من انطلاق مسيرة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، وقد تضمن الكتيب سلسلة من المقالات الطلابية التي صدرت في إعداد مجلة ‘طريق الشباب’.
جاء تأسيس ‘أشدب’ كمنظمة شبابية تقدمية من كلا الجنسين تضم في عضويتها الشباب الطلبة والعمال والموظفين والفنانين والمبدعين وسائر فئات الشباب، بحيث خصص في برنامجه قضية الدفاع عن قضايا الشباب في البحرين وتحقيق مطالبهم والدفاع عن مصالحهم، ومن قيادات ‘أشدب’ المعروفة الكاتب الصحفي بدر ملك ود. حسن مدن وحسن المحروس وآخرون قد لا يسمح بذكرهم حالياً لظروف خاصة.
ما يميز أشدب بأنه كان تنظيماً شبابياً وطنياً تقدمياً جامعاً للشباب لا يفرق بينهم على أسس الانتماء للعرق أو المذهب أو العقيدة، لذا كان أعضاؤه يعبرون عن النسيج الوطني لجميع أبناء هذا الشعب، مما جعل أهدافه ومطالبه لا تخص فئة أو جهة معينة، بل كانت تعبيراً صادقاً عن الوحدة الوطنية لشعب البحرين.
وقد شكل اندماج شبيبة جبهة التحرير الوطني البحرانية مع الاتحاد الوطني في الداخل انعطافة مهمة في مسيرة العمل الشبابي والطلابي المنظم في داخل وخارج البحرين وأثمر هذا الاندماج العديد من المكاسب المطلبية السياسية والثقافية والفنية منذ النصف الأول من عقد السبعينات حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
أسس ‘أشدب’ بعد انطلاق عمله عدداً من الخلايا التي توغلت بشكل كبير في كل مناطق البحرين، وأصدر ‘أشدب’ جريدته المركزية في داخل البحرين ‘الشبيبة’، وأصبح العديد من العاملين في صفوفه أعضاءً في مجالس إدارات بعض الأندية، لاسيما النادي العربي ونادي رأس رمان في المنامة وفي المحرق، نادي التقدم ونادي اتحاد الشباب وغيرها من الأندية، وكانت تضم هذه الأندية بطبيعة الحال بعضاً من عناصر التنظيمات السياسية الوطنية الناشطة، ومن المعروف أنه وبعد حل نادي النور في المنامة في الستينات واندماج نادي الفجر مع الوحدة وتشكيل نادي العربي، تصاعد دور هذه النوادي الرياضية والثقافية التي صارت مركزاً لنشاط الشبيبة وواجهة للعمل الوطني في تلك الفترة. عمل اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب) على الانتشار وسط الشبيبة العمالية والطلاب والمثقفين والفنانين، وقد انخرط في عضويته المئات من الشباب، وساهم في تعزيز التوعية في صفوف الشببية البحرينية ونشر الأفكار التقدمية، وكان يشكل الواقي الأساسي لجبهة التحرير، فبعد ضربة 23 أغسطس 1975 برز دور اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب) في ظل الظروف الصعبة التي عاشتها الحركة الوطنية بعد اغتيال عبدالله المدني 1976م، إذ خيمت على البلاد أجواء قاسية من القمع، وأصبح قانون أمن الدولة يُطبق بشكل متعسف، وهنا نشط ‘أشدب’ كصوت معبر عن الشباب البحريني وأخذ يمارس دوراً إعلامياً وتثقيفياً واضحاً، حيث صارت نشرته المركزية ‘الشبيبة’ توزع بشكل واسع في الأحياء الفقيرة والتجمعات العمالية.
يضيف الحليبي: ‘نظراً لغياب الكوادر الحزبية لمناضلي جبهة التحرير وتغيبهم في السجون والمنافي برز دور ‘أشدب’ بشكل واضح على الساحة المحلية، وكان انتشاره في أوساط العمال والشباب واضحاً، وقد شُكّلت العديد من اللجان النقابية وكان مناضلوه منخرطين في لجنة التنسيق ما بين النقابات الأربع حينها (ألبا، الصحة، الكهرباء، ونقابة أصحاب المهن والإنشاءات) واللجان العمالية النقابية السرية.
كان لـ ‘أشدب’ دور كبير في إمداد جبهة التحرير الوطني البحرانية (ج. ت. و. ب) بالكوادر الحزبية النشطة والمؤهلة لقيادة العمل التنظيمي، إذ أصبح الكثير من أعضاء اللجنة التنفيذية في أشدب قادة وكوادر مهمة في جبهة التحرير، كما كان لـ ‘أشدب’ دورٌ بارزٌ في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج بالدول العربية والأجنبية بحيث كان ينسق فيما بينهم المجلس الطلابي لأشدب.
بروفايل
-
السيد فاضل حسن الحليبي
-
من مواليد عام 1961
-
ترعرع في طفولته وشبابه في فريق ‘الحمّام’ بالمنامة.
-
كان لاعباً في نادي الجزائر بمنطقة المخارقة، وبعدها في نادي الأهلي منذ بداية السبعينات حتى نهاية الثمانينات.
-
تخرج من الجامعة عام ,1985 جامعة بونا بالهند بكالوريوس اقتصاد.
-
رئيس الاتحاد الوطني لطلبة البحرين فرع بونا – الهند عام .1982
-
شارك وفد الاتحاد الوطني لطلبة البحرين فرع بونا في المؤتمر العام الخامس للاتحاد الوطني لطلبة البحرين المنعقد في دمشق – فبراير عام .1984
-
شارك في مؤتمرات ومهرجانات واجتماعات طلابية وشبابية.
-
عضو نادي الخريجين، ساهم مع بعض الأعضاء في النادي بتنشيط وتفعيل اللجنة الثقافية في منتصف التسعينات كما شارك في إصدار نشرة الخريجين.
-
عضو في جمعية الاقتصاديين البحرينية.
-
عضو مؤسس في الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، ونائب الرئيس ومسؤول اللجنة الإعلامية فيها في الدورة الانتخابية الأولى، وأصدر مع أعضاء اللجنة الإعلامية نشرة (مقاومة ومقاطعة).
-
شارك في المؤتمر الخليجي الشعبي الثاني لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني في مايو 2001 الكويت.
-
رئيس اللجنة الإعلامية في المؤتمر الخليجي الشعبي الثالث لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني المنعقد في البحرين في مايو .2002
-
عضو مؤسس في جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي.
-
انتخب عضواً في اللجنة التحضيرية في الاجتماع التشاوري الذي أنعقد في 12 يوليو ,2001 في نادي طيران الخليج.
-
انتخب عضواً في مجلس الإدارة في المؤتمر العام الأول للمنبر الديمقراطي التقدمي في ديسمبر .2002
-
أنتخب عضو مجلس الإدارة في المؤتمر العام الثاني للمنبر الديمقراطي التقدمي في يناير .2004
-
انتخب عضواً في اللجنة المركزية في المؤتمر العام الثالث للمنبر التقدمي المنعقد في 17 فبراير ,2006 وعضواً في المكتب السياسي.
-
ساهم في إصدار نشرة أخبار المنبر في يناير ,2003 مع زملائه في اللجنة الإعلامية، وظل مسئولاً عن تحريرها حتى هذه الأيام، ومنذ مايو عام ,2007 أصبحت النشرة تصدر باسم ‘التقدمي’.
-
طموحاته وأحلامه بأن تصدر التقدمي بشكل أسبوعي في المرحلة الأولى وبعدها تتحول إلى جريدة يومية.
-
يكتب في الصحافة المحلية.
إعداد: وسام السبع
نشرت في جريدة الوطن 25 اكتوبر 2008