الشهادة الروسية الثانية عن جوانب من خفايا وأسرار حرب أكتوبر التي خاضتها مصر وسوريا ضد إسرائيل عام 1973 جاءت على لسان الجنرال الروسي الكسندر… (لم يتسن لي التقاط اسمه الثاني) وذلك ضمن مقابلة أجرتها قناة «روسيا اليوم« معه ومع الدكتور ناصر قيدان، وهو أستاذ سوري متخصص في العلوم السياسية. وقد انصبت أغلب ردود هذا الأخير على الدور الذي لعبه الجيش السوري في حرب أكتوبر التي خاضها إلى جانب الجيش المصري، بما في ذلك الجاهزية القتالية العالية، والاستعدادات التي جرت لهذه الحرب، وبضمنها التدريب واختيار وتحديد مواقع الاقتحام.
وأضاف الدكتور قيدان أن سوريا بالرغم من أنها كانت مجبرة على وقف إطلاق النار في 22/10/1973 فإنها ظلت في حالة حرب استنزافية مع العدو الإسرائيلي لمدة 82 يوماً، أي حتى توقيع اتفاقية فك الاشتباك على الجبهة السورية مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقية مماثلة على الجبهة المصرية.
كما تحدث الدكتور قيدان عن البطولات التي حققها الجيش السوري خلال حرب تشرين مع إسرائيل، بما في ذلك تحرير القنيطرة ومواقع عند أو على “جبل الشيخ”. وأشار إلى أمثلة من تلك المعارك التي انتصر فيها الجيش السوري، بما في ذلك تمكن الدبابات السورية من اختراق العديد من المواقع الإسرائيلية وتحريرها.
أما الشهادة التي أدلى بها الجنرال الروسي الكسندر في هذه المقابلة التلفزيونية، وهي موضع حديثنا فقد تضمنت إشارات وتوضيحات عن الحالة التي كان عليها الجيش السوري غداة هزيمة 67 مقارنة بالحالة والجاهزية العالية التي أصبح عليها عشية حرب أكتوبر 1973. وضرب الكسندر مثلاً بكيفية مساعدة موسكو الجيش السوري في تطوير دفاعاته الجوية وبضمنها المعدات والآليات الصاروخية المضادة للطائرات والتي لم تكن متوافرة لدى هذا الجيش أثناء حرب نكسة يونيو 67م.
ورداً على سؤال عما إذا كانت موسكو على علم بموعد الحرب، أجاب هذا الجنرال الروسي بالإيجاب مؤكداً أن السوفيت لديهم علم مسبق بموعد شن الحرب. وأن المستشارين الروس أبلغتهم قيادتهم في موسكو باتخاذ أقصى الاستعدادات والتعاون الممكن مع المصريين والسوريين، إذا شنت الحرب، بل ان بعض هؤلاء المستشارين شارك في الحرب، وهذا نفس ما سبق أن أكد عليه كبير المستشارين العسكريين الروس في مصر الجنرال محمود جارييف في شهادته التي استعرضناها يوم أمس. كما تتطابق شهادة الجنرال الكسندر مع شهادة جارييف فيما يتعلق بثغرة الدفرسوار التي أعاقت تقدم القوات المصرية حيث أكد أن المستشارين السوفيت حذروا القيادة العسكرية المصرية من خطورتها وترجيح تمكن الجيش الإسرائيلي من اختراقها للتوغل داخل العمق المصري غربي القناة والبحر الأحمر.
وأشاد الكسندر بأن التضامن العربي الرسمي الذي ظهر خلال الحرب كان أروع أشكال التضامن العربي في تاريخ العرب الحديث ضد احتلال أجنبي حيث قطعت الدول العربية النفطية البترول عن أمريكا وأرسلت قوات عراقية وجزائرية وأردنية وسعودية وكويتية لمساندة مصر، ناهيك عن بعض الفرق العسكرية العربية الموجودة قبل الحرب. وأشاد الكسندر بالدور الكبير الذي لعبه التنسيق المصري ــ السوري المشترك للتحضير للمعركة، بما في ذلك اختيار توقيت شن الحرب. وأبدى أسفه لانفراد السادات بالتحكم في مسار العمليات العسكرية وغياب التنسيق الكافي بين القيادتين المصرية والسورية في تطوير المعركة التحريرية لسيناء وللجولان، بما في ذلك انعدام هذا التنسيق في موضوع قبول وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر .1973
وأشار الكسندر إلى الدور الذي لعبه الجسر الجوي الأمريكي لإمداد الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية وتعويض خسائرها الفوري في الحرب من خلال هذا الجسر. وهو الجسر الذي قابله جسر إمدادات سوفيتي مضاد لتعويض الجانبين المصري والسوري عن خسائرهما في المعركة. كما أكد هذا الجنرال الروسي في شهادته أنه لولا هذه الحرب التحريرية المصرية ــ السورية المظفرة حتى بالرغم من كل ما اعتورها من أخطاء قاتلة أدت إلى الحد من زخم انتصاراتها بسبب سوء إدارة الرئيس المصري السادات السياسية والعسكرية لها، عدا عن عدد من الأخطاء العسكرية التي وقع فيها كلا الجانبين المصري والسوري، لما كان يمكن لمصر استرداد سيناء بعدئذ حتى بتلك التنازلات المجحفة التي قدمها السادات في “كامب دافيد” عام 79م.
وأخيراً فقد تطابقت شهادة الجنرال الروسي الكسندر مع شهادة كل من محمود جارييف التي تناولناها يوم أمس وشهادة الملحق العسكري نيكولاي ايفلييف التي سنتناولها غداً من أن السادات كان يخطط منذ البداية لأن تكون هذه الحرب التحريرية حرباً محدودة لكي يستغلها لمواصلة خططه للتقارب الكامل والمراهنة على الحلول التسووية برعاية أمريكا والابتعاد نهائياً عن الاتحاد السوفيتي حيث اعتبر الأولى هي التي تملك 90% من أوراق الضغط في حل الصراع العربي الإسرائيلي.
أخبار الخليج 22 اكتوبر 2008