المنشور

لا تأثيرات للأزمة علينا‮ ‬في‮ ‬الخليج؟!

نفهم أن‮ ‬ينبري‮ ‬مسؤول خليجي،‮ ‬وليس أي‮ ‬مسؤول وإنما مسؤول معني،‮ ‬للتخفيف من وطأة تحليلات الأزمة المالية العالمية في‮ ‬شقها الإعلامي‮ ‬المتواتر بغزارة،‮ ‬على حالة الثقة والاستقرار المالي‮ ‬السائد في‮ ‬بلده وفي‮ ‬سائر دول مجلس التعاون،‮ ‬وذلك لتجنب حدوث حالات من الهلع‮ ‬‭(‬Panic‭)‬‮ ‬وسط المتعاملين في‮ ‬أسواق المال الخليجية قد‮ ‬ينتج عنها تدافع‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى‮ ‘‬دهس البعض واختناق‮’ ‬البعض الآخر وسط زحمة التكالب على طلبات البيع‮ (‬بيع الأسهم تحديداً‮) ‬لتفادي‮ ‬الأسوأ،‮ ‬أو إلى ما هو أسوأ من ذلك بانتقال عدوى الأزمة إلى القطاع المصرفي،‮ ‬حاضنة المدخرات الوطنية ومصدر تمويل المشاريع‮ (‬الإنفاق الرأسمالي‮) ‬والإنفاق الشخصي‮.‬
أما أن‮ ‘‬يتطوع‮’ ‬من‮ ‬يقدمهم بعض الصحف الخليجية،‮ ‬لاسيما البحرينية منها على أنهم اقتصاديون وما هم في‮ ‬الحقيقة سوى رجال أعمال من جيل المبادرين الجدد الصاعدين تواً‮ ‬في‮ ‬قطاع المال والأعمال،‮ ‬لتوزيع الفتاوى الزاهية والمكرسة لحشد المزاعم بأن أسواقنا الخليجية‮ ‘‬صاغ‮ ‬سليم‮’ ‬وأنها لن تتأثر بما‮ ‬يجري‮ ‬من تصدعات مالية فادحة في‮ ‬المراكز الاقتصادية العالمية الرئيسية‮.‬
رغم كونه أمراً‮ ‬مضحكاً‮ ‬ويصعب أخذه على محمل الجد،‮ ‬إلا أنه مضر على عكس ما‮ ‬يعتقد المسوِّقون بخفة لفكرته،‮ ‬فهو‮ ‬يعطي‮ ‬انطباعاً‮ ‬سيئاً‮ ‬عن حال الشفافية التي‮ ‬نزعم أننا استوعبناها لمقاربة عالمية جديدة في‮ ‬العلاقات الاقتصادية الدولية والممارسة المهنية‮.‬
وإلا ماذا نسمي‮ ‬الموجة الجديدة من الاندماجات الفجائية لمؤسسات مالية ومصرفية وعقارية؟
وماذا نسمي‮ ‬رفع سعر الإقراض بين المصارف في‮ ‬بعض الدول الخليجية باعتباره تأكيداً‮ ‬على الحال الذي‮ ‬وصلت إليه أوضاع السيولة في‮ ‬أسواق الائتمان مع تمدد ضغوط الأزمة المالية الأمريكية والأوروبية نحو الخليج؟
وماذا تعني‮ ‬إصابة صيغة الإقراض المجمع‮ ‬‭(‬Consortium‭)‬‮ ‬بالجمود بعد تعليق البنوك لعدد من القروض الكبيرة أو إعادة هيكلتها أو رد قيمتها أو سحبها لمواجهة ظروف‮ ‘‬اختناق‮’ ‬السيولة؟
وماذا‮ ‬يعني‮ ‬صراع البنوك على استقطاب الودائع بالمزايدة على رفع سعر الفائدة والذي‮ ‬وصل في‮ ‬بعض الحالات إلى أكثر من‮ ‬6٪‮ ‬بهدف تعزيز سيولة هذه البنوك؟
وماذا‮ ‬يعني‮ ‬تحرك بعض البنوك المركزية الخليجية لضخ كميات ضخمة من الأموال في‮ ‬البنوك لتوفير السيولة لها كي‮ ‬تتمكن من مقابلة الطلب عليها؟
وأخيراً‮ ‬وليس آخراً‮ ‬ماذا تعني‮ ‬الانهيارات التي‮ ‬أصابت البورصات الخليجية جميعها دون استثناء في‮ ‬أول‮ ‬يوم افتتاح لها بعد إجازة عيد الفطر والتي‮ ‬كلفت حملة أسهم الشركات المدرجة فيها‮ ‬150‮ ‬مليار دولار في‮ ‬الأيام الثلاثة الأولى بعد إجازة العيد؟
لما كان ذلك فإن تلك‮ ‘‬التطمينات‮’ ‬الفارغة التي‮ ‬أطلقها البعض لدينا هنا في‮ ‬الخليج،‮ ‬لا تعدو أن تكون محض هراء،‮ ‬لأنها من حيث لا تعلم تحاول إثبات أن الاقتصادات الخليجية تعيش في‮ ‬جزر معزولة عن بقية أجزاء المعمورة‮!‬
أما أولئك الذين طـالبوا بترك السـوق‮ ‬يصحح نفسـه بنفسه دون تدخل حكومي‮ ‬فإنهم إنما كانوا حالمين لم‮ ‬يفوقوا بعد من وهم القدرة الخارقة للسوق وأيديها الخفية‮ ‬‭(‬Invisible Hand‭) ‬‮(‬المقولة الشهيرة لآدم سميث‮)‬،‮ ‬التي‮ ‬تفعل فعلها السحري‮ ‬في‮ ‬توضيب أوضاع السوق وإعادة الاستقرار إليه‮. ‬
لقد أثبتت الأحداث الدور المحوري‮ ‬للحكومات في‮ ‬استيعاب واحتواء الخراب الذي‮ ‬أحدثته السوق وفوضاها‮. ‬كما طرحت بقوة على المحك‮.‬
؟ الدور الإجرامي‮ ‬الخطير الذي‮ ‬أسهم فيه مدراء المحافظ الاستثمارية في‮ ‬صناديق الاستثمار ومصارف الاستثمار ومؤسسات المضاربات التي‮ ‬لم تعر أي‮ ‬اهتمام لا لمخاطر السوق،‮ ‬ولا لمخاطر الائتمان،‮ ‬ولا لمخاطر العمليات‮ ‬‭(‬Transactions‭)‬،‮ ‬في‮ ‬سبيل‮ ‘‬تبييض‮’ ‬وجوههم أمام أعضاء مجالس الإدارات والحصول على مكافآت مالية خيالية‮.‬
؟ سقوط مصداقية مؤسسات التصنيف‮ ‬‭(‬Rating Agencies‭)‬‮ ‬التي‮ ‬ثبت أنها تمارس أدواراً‮ ‬ازدواجية حيث ثبت تورطها في‮ ‬منح تصنيف عال مقابل عوائد مجزية‮.‬
؟ تورط جهات نيابية وتشريعية في‮ ‬عمليات تدليس‮ ‘‬وتمرير‮’ ‬تشريعات لصالح الشركات ذات الديون المسمومة مثل كريدي‮ ‬ماك وفريدي‮ ‬ماي‮.‬
؟ إن رأسمالية الـ‮ ‘‬نيوليبراليزم‮’ ‬قد حولت مسار مرجعية الأسواق من الأساسيات‮ ‬‭(‬Fundamentals‭)‬‮ ‬إلى الجوانب الفنية‮ ‬‭(‬Technicals‭).‬
خالص القول أننا في‮ ‬مجلس التعاون لم نكن أبداً‮ ‬بمنأى عن الأزمة وتداعياتها‮. ‬وكان الأحرى بالقائمين على أنظمتنا النقدية والمصرفية أن‮ ‬يظهروا شفافية أكبر في‮ ‬الإفصاح عن حقيقة أوضاع وحدات القطاع المصرفي.
 
صحيفة الوطن
20 اكتوبر 2008