تبدو الحكومةُ في كاملِ الاستعدادِ والجاهزية وهي تذهبُ إلى دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب، ولا نعلم إذا كان بوسع النواب التقاط أنفاسهم، وهم يواجهون ٤١ مشروع قانون تقدمتْ بها الحكومةُ إليهم عشيةَ استئنافهم لجلساتهم، بعد إجازةٍ طويلة أكثر مما ينبغي. يُضاف إلى ذلك نحو ٠٨ جواباً على اقتراحات بقوانين تقدمَ بها المجلس، وفي حالاتٍ كثيرة تضمنتْ هذه الأجوبةُ ردوداً سلبية على اقتراحات النواب، بينها رفضٌ للاقتراح بقانون بإنشاء هيئة مكافحة الفساد، إذ رأت الحكومة أنه ليس ثمة داعٍ لهذا المشروع، تحت مبررات لا تصمدُ أمام أي مناقشة جدية. ليس هذا الوضع جديداً، فالحكومة تبدو، في كل الأحوال، لاعباً ماهراً في العلاقة مع الغُرفة المنتخبة من المجلس الوطني، ولعل ذلك ما حدا برئيس كتلة الوفاق النيابية الشيخ علي سلمان، في تصريحٍ أخيرٍ له، لتحميل الحكومة مسؤوليةَ تعثر عمل المجلس، وفشله في انجازات تُحسب لأعضائه، ضارباً بذلك مثلاً بليغاً متمثلاً في اللائحة الداخلية للمجلس التي تصر الحكومةُ على هندستها وفق مزاجها. ولسنا في وارد التقليل قيد أنملة من صحة ما يقوله الشيخ علي، لكن هذا لا يعني أن لا يتحملَ النوابُ، بمن فيهم الكتلة الوفاقية ذاتها، حصتهم من المسؤولية عن سوء أداء المجلس. هناك ما يمكن أن يُشار له بشكل ايجابي في عمل المجلس مثل تشكيل لجنتي التحقيق في أموال الدولة وفي السواحل، لكن ذلك لا يُقارن بحجم الإخفاقات الكثيرة التي ليس بوسع الكتل الانتخابية التنصل منها، فهناك فُرص أهدرت من قبل النواب في توجيه مسارات النقاش في جلساتِ المجلس ولجانه في دوري الانعقاد الماضيين، وهناك خللٌ في صوغِ الأولويات، بحيث بدا موضوع الجنس الثالث أهم من رفع الأجور، وحفلة هيفاء وهبي في مصافِ القضية المركزية التي توحدتْ حولها الآراء، فيما المجلس عاجز عن اتخاذ موقف موحدٍ من قضايا الإسكان. وعلى طريقة الهروب إلى الهامشي عن الجوهري، وجد النوابُ في مهرجان ربيع الثقافة منذ عامين ضالتهم، لتجلجل أصواتهم في ردهات المجلس، فيما تخفت هذه الأصوات أو تصمت حين الاقتراب من مصالح الناس، كما وجدوا في استهداف »الطوفة الهبيطة« مهرباً من مواجهةِ بؤر الفساد الكبرى، حين رأوا في إسقاط وزيرة الصحة السابقة ندى حفاظ أولويةً لهم. ليس هناك ما يدعو لتفاؤلنا في أن يكون دور الانعقاد المقبل أحسن حالاً، ليس فقط لأن الحكومة بالمرصاد، فهي في النهاية حكومةٌ تريد أن تنجو بجلدها من أيةِ مُساءلة، كما تفعل كل حكومات الدنيا، وإنما أيضاً لأن سلم أولويات النواب لا يبدو انه في وارد التصحيح، ولأن نُذر التسعير الطائفي أخذت تطل برأسها قبيل التئام المجلس فيما يشبه بروفة التسخين، التي ستكون جلسات المجلس ساحة عرضها. ومع ذلك ففي الوقت متسع لكي يبدد المخلصون من النواب سُحب التشاؤم التي تغطي السماء، إن هم أرادوا.
صحيفة الايام
20 اكتوبر 2008