تعبر الجمعياتُ المذهبية السياسية اليمينية عن غموض توجهات الفئات الوسطى التقليدية، فهي تتوجه نحو مطالب فئات من الموظفين، ولا تتوجه لسياسات اقتصادية وطنية للشعب ولتطوره الاجتماعي المستقبلي، وتؤسسها من خلال مشروعات القوانين ومن خلال طرح الملفات الواسعة العميقة.
فهم لا يجلسون كما يجلس أعضاء البرلمانات العالمية، الذين يتوزعون حسب السياسات، وأبعادها الاجتماعية، فهناك اليمين وهناك الوسط وهناك اليسار، لكن هؤلاء في كتل غامضة المنحى الاجتماعي، ولا تعرف ماذا تمثل من طبقات وقوى، فهي تياراتٌ مذهبية يمينية، بمعنى أنهم يعبرون عن رأسمالية غامضة الملامح، وهي تمثل الرأسماليات (السوداء) حيث تتشكل رساميلها من خلال السياسة والمذهبية وليس من خلال التجارة والصناعة الطبيعيتين.
ونظراً لجذورهم الريفية والمدنية الصغيرة عادةً يلعبُ المذهبُ المشكل بتقليدية غامضة دوره في صوغ سياساتهم. إذا نظرنا لبرنامج المنبر الوطني الإسلامي نجده لا يحدد هويته الاجتماعية، يقول في إحدى فقرات برنامجه إنه يعمل على (السعي لتفعيل المشاركة الشعبية في تحديد ورسم مستقبل البلاد وخطط التنمية). أو (العمل على تحقيق السلم الاجتماعي للأفراد والمجتمع وتوطيد دعائم الوحدة الوطنية).
هذا كله مجرد إنشاء تعبيري. فكيف يجرى تفعيل المشاركة الشعبية وما هو تصوركم للتنمية؟ وكيف تحققون الوحدة الوطنية وأنتم تنشئون جماعة مذهبية تخص مجموعات من طائفة؟
فالتنمية تريد قراءة اقتصادية عميقة لنواحي الاقتصاد المختلفة وكيفية تغيير طابع رأسمالية الدولة وكيفية تحريك القطاعات الخاصة من البيروقراطية الحكومية.
لا شك أن مثل هذا الحفر سيجعلهم يركزون في سياسة حقيقية وفي برنامج اقتصادي محدد، وهم لا يمتلكون مثل هذا التحديد، فتظهر الجمل العامة والإنشاءات الذهنية المجردة.
مثل هذا الكلام العام العاطفي يوافق مستوى عقليات العامة البسطاء في المساجد الذين يثقون ثقة دينية بهؤلاء الأفراد، ولكنه لا يصلح لبرلمان وإدارة حكم.
إن طبيعة مثل هذا الحفر التحليلي للاقتصاد والسياسة والحكم سيؤدي إلى مواقف متجذرة في النقد وإلى طرح البدائل، التي تغدو بدائل مبرهنا عليها إحصائياً وقادرة على أن توجه أو تصنع سياسة حكومية باتجاه معين، ولكن الجماعة حتى لو ملكت مثل هذه القدرة البرامجية العالية لا تريد أن تصطدم بالوزارات والقوى البيروقراطية المتنفذة، والشركات العامة، فتطرح أسئلة صغيرة واقتراحات ومشروعات لتحسين أحوال المتقاعدين وما يشبه ذلك.
هذا يؤسس السياسات المذهبية، بإمكانيات محدودة جدا، فحتى سياسات الاخوان المسلمين في بلدان عربية أخرى تمتلك مثل هذه البرامج التحليلية العميقة تجاه السياسات الاقتصادية وترهل الشركات الحكومية، فالأمر ليس فقط رؤية مذهبية، بل رؤية مذهبية سياسية غير مدعمة بكفاءات علمية في شتى جوانب الحياة الاقتصادية.
وهذا لا يختلف عن برنامج الوفاق المليء بالوعود للناخبين وبالكلمات العامة الغامضة وبفتح ملفات كثيرة عن أوضاع الناس كقولهم:
(العمل على إشاعة الفضيلة والعدالة في المجتمع والعمل على إزالة أشكال الفساد المالي والإداري كافة وفق الرؤية الإسلامية).
فتنظيم سياسي يتوجه للناخبين لإشاعة الفضيلة يعبر عن رؤية شمولية فوقية فهو تنظيم سياسي وأخلاقي كذلك يفرض معاييره،و(الفضيلة) للمحافظ الريفي هي أن يمنع أشياء كثيرة في الحياة المدنية ويفرض مقاييسه على التطور.
ولهذا تتفق الكتلُ المذهبية في محاربة الظاهرات الثقافية غير المفهومة في رؤاها هذه، كما فعلت تجاه ربيع الثقافة، وصمتها المطبق تجاه ظاهرات أخلاقية كالتجارة في النساء.
لكن الريفي البسيط القادم لمواجهة المدينة يهوش بشعارات عامة(محاربة كل أنواع الفساد المالي)، ولكن ما هي هذه الأنواع وهل درستها وحددتها وقاومتها؟
(أن تعيد توزيع الميزانية لصالح وزارات الخدمات على حساب الإنفاق على العسكرة).
هذا صحيح ولكن كيف؟ وهل توغلتم وحفرتم ووحدتم الجهود من أجل ذلك؟
(أن تصدر قوانين إيجابية مثل الضمان الاجتماعي ضد التعطل وقانون ملكية الأراضي).
ألم تكونوا في السلطة التشريعية؟ أين هذه القوانين وعمليات تمريرها وتطبيقها؟
أخبار الخليج 18 اكتوبر 2008