هل يصدق أحد القول بأننا في منأى ومأمن من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تعصف بحركة المال والمصارف والأسواق في العالم، وهل من الواقعية والمنطق في شيء أن ندعي أن بورصة البحرين بخيــر وأوضاع المؤسسات العاملة في البحرين هي أيضاً بخير وسليمة ومتعافية، بل ومتقدمة وليس هناك ما يدعو إلى القلق..!!
متى ندرك أنه مهما رفعنا من يافطات وعناوين عن متانة وسلامة أنظمة الرقابة المصرفية المطبقة ومواكبتها لأفضل المعايير والممارسات، ومهما كانت التقديرات والتقييمات للسياسات الاقتصادية والمالية والمصرفية ومدى كفاءتها على مواجهة تداعيات الأزمة وتأثير مجرياتها على مجمل قطاعاتنا الاقتصادية، إلا أنه لا يمكن تصور أن تعيش البحرين والخليج بعامة في معزل عن العالم وتقلبات أسواقه وحتى انهياراته، وأننا بالمطلق لن نكتوي بنار الأزمة لا من قريب ولا من بعيد، وأنه ليس هناك ما يبعث على القلق حقاً، وعلى من يرفض الاقتناع أن يقتنع وعلى من يرفض التصديق أن يصدق..!!
لا ينبغي أن يدعي أحد ذلك، ولا يفترض القول بأننا ضخمنا وقع هذه الأزمة على اقتصادنا ومجتمعنا وأصبناهما بخوف وقلق، بل وهلع عززه وعمقه عدم وجود رؤية متكاملة وحقيقية وفعالة وملموسة حتى الآن حيال هذه الأزمة، في الوقت الذي نشهد يومياً المزيد من التطورات والاضطرابات في مختلف أسواق العالم التي تبين عمق وشدة الأزمة التي عصفت بأسواق ومراكز مالية عالمية وكبدتها خسائر بأرقام خيالية تأخذ منحى تصاعديا، ونشهد تدابير وقائية وإجراءات احترازية وحالات استنفار غير مسبوقة في معظم دول العالم من أجل أن تمر الأزمة بأقل خسائر ممكنة وتجنب الأسوأ الذي تقول دوائر اقتصادية عديدة بأنه لم يأتي بعد.
ليس من المفروض أن يدعي أحد ذلك حتى أن سمو رئيس الوزراء الذي أكد بأن البحرين لم تتأثر بالأزمة حتى الآن، لم ينفِ استحالة ظهور آثار وتداعيات محتملة لها، لذا فهو أكد أن مواجهة ذلك سيتم من خلال التعاون بين مختلف المؤسسات الاقتصادية والجهات الممثلة للقطاع الخاص للتعامل مع أي تداعيات قد تفرضها الأزمة، ملمحاً في هذا السياق إلى إمكانية بلورة رؤية اقتصادية جديدة تعالج هذه الآثار المحتملة..
اذا كان سمو رئيس الوزراء يرى ذلك، فإن الموقف الغريب حقاً أن بعض المسئولين الذين استعرضوا عضلاتهم وذهبوا ربما من أجل زيادة جرعة الطمأنينة إلى الجزم بالنفي المطلق بأنه لن تكون هناك أي تأثيرات آنية أو مستقبلية للأزمة على واقعنا الاقتصادي، وهذا قول باعث على الحيرة والدهشة لأنه لا ينبغي على أي مسؤول أن ينسى أو يتناسى بأن الاقتصاد البحريني هو اليوم جزء من الاقتصاد العالمي نتأثر به أكثر مما نؤثر فيه وهذا أمر لا جدال فيه، كما لا جدال بأن الدولة التي تكون درجة اندماجها بالاقتصاد العالمي كبيرة تكون درجة تأثرها أكبر سلباً كان ذلك أم إيجاباً، ولذلك فإنه لا يمكن استثناء البحرين من محيط التأثر بالأزمة.
ليس من المصلحة، ولا من باب الواقعية أن يظهر لنا من يحاول أن يقنعنا بأننا دون غيرنا نمتلك من عناصر المنعة والحصانة ما يكفي لجعلنا أقوياء إلى الدرجة التي تحمينا، أو نستطيع بها حماية أنفسنا من تأثيرات الأزمة التي تعصف بمن حولنا مع كل أبعادها الكارثية، وكأن اقتصادنا من بنوك وشركات كبرى ومؤسسات مالية في عزلة تامة عن هذا الذي يجري في العالم، ولابد أن يسعدنا ذلك القول إذا كنا حقاً أقوياء إلى تلك الدرجة، ولكن تصبح خيبة كبيرة لأن الحقيقة أو الواقع لا يثبت ذلك، ولأنه حتى الموتى يتأثرون بتفاعلات التربة من حولهم، وها هو مصرفي بحريني بارز يرأس اتحاد المصارف العربية هو عدنان يوسف يحذر من تحديات مؤكدة ستواجه المصارف في المنطقة خلال العام المقبل، وذهب مصرفيون ومحللون ماليون بحرينيون إلى أن هناك مصارف تأثرت بالأزمة المالية الراهنة، وأن حقيقة هذا التأثير لن تظهر إلا في النتائج المالية للربع الأخير من العام الجاري، مع ملاحظة وجود نحو 270 مصرفاً عربياً هي بمعظمها صغيرة الحجم ومحدودة الرساميل ولا يوجد أي منها داخل تصنيف أكبر مئة مصرف في العالم، وها هي دول مثل الكويت وقطر والإمارات تتسابق إلى التحرك باتجاه اتخاذ تدابير وقائية وتبني خططاً إنقاذية لحماية اقتصادها ومؤسساتها المالية والمصرفية وأسواق الأسهم فيها التي لم تسلم من انتقال عدوى الاضطرابات العالمية الضاربة بعمق في أسواق المال والاستثمار والعقار.
نعلم جيداً أن الوضع الراهن بات مقلقاً للغاية، وحرجاً للغاية، ومن يراقب ويتابع مجريات الأزمة وانعكاساتها علينا سيكون لديه ما يبرر هذا القلق والحرج، لذا بات ضرورياً للغاية أن يكون مؤشر اليقظة “أخضر” لدى جميع الأطراف ودافعاً إلى إزالة أي تحفظات أو قيود تحول دون معرفة حقيقة أوضاع قطاعاتنا المختلفة والظروف التي تمر بها ومدى انعكاس الأزمة عليها، حتى لا نخلق أرضاً خصبة للإشاعات والتلاعبات والتدخلات العاطفية العشوائية التي لاشك أنها تجعل الصورة ضبابية في غياب الشفافية اللازمة، لذا كانت غرفة التجارة في بيانها الأخير منطقية في دعوتها لوزارة المالية والمصرف المركزي ” لتقديم البيانات والمعلومات التي تبين وبكل شفافية حقيقة وضع البحرين ومؤسساتها المالية والمصرفية وإبراز مدى تداعيات الأزمة عليها لبعث مزيد من الاطمئنان والثقة للمتعاملين والمستثمرين في السوق البحريني استناداً إلى أسس سليمة تبعدنا عن أي إشاعات كتلك التي بدأت تمس أوضاع بعض المؤسسات المالية والمصرفية، أو أي إشاعات أخرى قد تلوح في الأفق لتمس بعضها الآخر”، ونرى بأن الغرفة قبل ذلك واقعية في تأكيدها على أنه من الصعب على البحرين كمركز مالي عالمي أن ينأى بنفسه عن تبعات الأزمة المالية العالمية.
المسألة تقتضي تكاتف جميع صناع السياسات المالية الاقتصادية (النقدية والمالية والتجارية) للعمل كفريق متكامل ومتجانس لرسم رؤية واضحة حيال ما يجب فعله لدرء ما لا تحمد عقباه والخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر والتأثيرات حتى لا تكون أزمة الإدارة سبباً يعوق إدارة الأزمة بالكفاءة الواجبة في وقت يفرض على الجميع تحمل مسؤولياته الوطنية لحماية الاقتصاد الوطني وحتى لا تكون التسويقات الإعلامية أو الإشاعات سيدة التداول لنبحث في ظلها عن ضحية أو شماعة نحملها مسؤولية تبعات أي منزلق جراء التهوين من انعكاسات الأزمة العالمية على السوق والاقتصاد البحريني.
ألأيام 17 أكتوبر 2008