المنشور

هيئة الأمم المتحدة.. رئيس مقدام وأعضاء مترددون


تناولنا في المقالة السابقة التصريحات الشجاعة للرئيس الجديد لهيئة الأمم المتحدة (ميغيل ديسكوتو) حينما شن هجوما عنيفا على الولايات المتحدة، وشجبه للسياسة الأمريكية الساعية إلى فرض الحصار على كوبا الاشتراكية.. مثلما حملت تلك التصريحات دعوة وطنية ومبدئية تنادي إلى ” إصلاح عاجل لمجلس الأمن الدولي”.. وبحسب ما حملت هذه الدعوة الوطنية في جوهرها “انتقادا لاذعا لبعض أعضاء مجلس الأمن بوضع نفسها فوق ميثاق الأمم المتحدة واستئثارها بحق النقض الفيتو وتهميش هيئة الأمم المتحدة”.. فإننا بهذا الشأن قد تطرقنا بالتعقيب الداعم والمؤيد لتلك الدعوة الوطنية والمبدئية.. التعقيب المكمل لمفاهيمها وتداعياتها، من اجل انتشال هيئة الأمم المتحدة من مرتبتي الدونية والتهميش في ظل إعادة النظر في صياغة ميثاق الأمم المتحدة، الذي أكل عليه الدهر وشرب، منذ أكثر من ستين عاما خلت.. ولعل القول يبقى صحيحا في سياق مقالتنا التكميلية هذه، أن ثمة أسبابا جوهرية أخرى في تهميش هيئة الأمم المتحدة، تكمن في هشاشة أعضاء الأمم المتحدة، والذين معظمهم يمثلون حكومات استبدادية داخليا وقطريا، في الوقت الذي استمرأت فيه المرتبة التهميشية دوليا، والتي تفرضها الولايات المتحدة من خلال هذه الجمعية الدولية.. هذه الأنظمة الهشة وخاصة أنظمة دول العالم الثالث، التي تدور في فلك التبعية للولايات المتحدة سواء سياسيا أم اقتصاديا أم أمنيا وعسكريا، قد أعطت الفرصة الذهبية السانحة بتهميش هيئة الأمم المتحدة.


إذا ليس بمستغرب أن تفتقد معظم هذه الأنظمة الدكتاتورية الشجاعة الأدبية بمواجهة الولايات المتحدة.. طالما لم تستطع ان تنبس ببنت شفاه، حول ما يدور من تفشي الفساد ومظاهر الجمود والبيروقراطية والإفلاس بين أروقة هيئة الأمم المتحدة وجذور أجهزتها، والتي سببها الولايات المتحدة في المقام الأول. فما بالنا بالمطالبة والنضال لقضايا أخطر من ذلك، كالمطالبة برفع الحصار عن كوبا أو إعادة النظر في صياغة ميثاق هيئة الأمم المتحدة.. فهي قضايا مصيرية يظل تحقيقها من رابع المستحيلات، بقدر ما تظل في حكم المؤجل الأبدي، إزاء أنظمة استبدادية فوقية.. مفروضة حكوماتها بقانون القوة، وغير منتخبة.. أنظمة سعت إلى كبت الحريات العامة لشعوبها، وصادرت حقوقها وحرياتها، بمزيد من التهميش، وانتهاك حقوق الإنسان لديها..


وضعت الحواجز ما بين الرأيين الشعبي والرسمي، وما بين البنى الفوقية والبنى التحتية.. وبحسب ما تمثل (السياسة الداخلية الاستبدادية) لدى دول العالم الثالث.. في استئساد هذا النظام أو الآخر على شعبه ومواطنيه.. فإن (السياسة الخارجية الخانعة) للنظام تعكس مدى تخاذل النظام الرسمي حول قضاياه الوطنية والقومية والأممية والمصيرية.. بقدر ما يظل هذا النظام يمثل الحمل الوديع بعضويته لدى هيئة الأمم المتحدة أمام سياسات الدول الكبرى في مجلس الأمن الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي هي بدورها أخضعت معظم أنظمة دول العالم الثالث لإملاءاتها وشروطها ووصاياها.. بل جعلتها تثني وتبصم وتصدق على كل ما تقوله الولايات المتحدة وتصرح به من تصريحات وقرارات.. وتقره من قوانين وتشريعات مفروضة على هيئة الأمم المتحدة بشريعة الغاب للنظام الأحادي القطبية بازدواجية المعايير والكيل بمكيالين ونظام التصويت وحق النفض الفيتو..


ولعل من الأهمية بمكان القول بهذا الصدد: لو أن هذه الأنظمة الرسمية لدى دول العالم الثالث، اتخذت شعوبها ركائز للعملية التنموية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنتاجية، لما تجرأت الولايات المتحدة، بأي حال من الأحوال على تهميش عضوية هذا البلد أو الأخر لدى هيئة الأمم المتحدة.. ولو آمنت هذه الأنظمة بمجتمعاتها كالدرع الواقية عن الأرض وسيادة الوطن والذود عن حياضه.. فإن الولايات المتحدة لن تستطيع القيام بخرق السيادة الوطنية.. ولو دفعت هذه الأنظمة جل اهتمامها لقضايا الديمقراطية والحريات العامة لشعوبها، مثلما تهتم بالقضايا الأمنية والعسكرية، فإن صوت هذا النظام أو النظام الرسمي الأخر بين أروقة هيئة الأمم المتحدة سيكون مسموعا، يؤخذ بحقائقه ومفاهيمه، بقدر ما يظل موقع احترام وموضع تقدير للجميع، يلزم حتى أعتى دولة في العالم الأخذ بهذا الصوت، والإيمان بتوصياته وتداعياته.. في نهاية المطاف نستطيع القول ان هذه الملاحظات وهذه الأفكار البالغة الأهمية، هي الضمان الأساسي للنهوض بعضوية هذا النظام العربي أو النظام الأخر في دول العالم الثالث لدى هيئة الأمم المتحدة.. فهل ستدخل إلى حيز التنفيذ والتطبيق ولو بشكل نسبي؟.. أم ستظل هذه الأفكار وهذه الملاحظات تمثل أمنيات مثالية طوباوية تظل في حكم المجهول؟


أخبار الخليج 17 أكتوبر 2008