نُسجل لوزارة الداخلية موقفها الايجابي في الرد على المذكرة التي أصدرتها ست جمعيات سياسية حول الموقف من أحداث العنف التي تشهدها البلد بين الحين والآخر. لقد عودتنا العديد من الأجهزة التنفيذية بتجاهل دعوات ومواقف الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني حيال ما يدور في المجتمع من قضايا، ليست المسألة الأمنية سوى إحداها، لذا علينا أن ننظر بتقدير لكون وزارة الداخلية سارعت، على لسان الوكيل المساعد للشؤون القانونية في الوزارة، بالرد على المذكرة التي نشرت في الصحافة منذ يومين. والهدف من هذه المذكرة التي كانت موضوعاً للتداول بين الجمعيات الموقعة عليها، قبل إصدارها، إظهار الموقف الموحد لهذه الجمعيات في إدانة مظاهر العنف التي طبعت بعض الفعاليات الاحتجاجية في الشهور الماضية، من أي طرف جاء هذا العنف، خاصة مع سقوط ضحايا له من المتظاهرين ومن رجال الأمن، على حدٍ سواء. ونتفق مع ما جاء في رد وزارة الداخلية أن عهد ما بعد ميثاق العمل الوطني هو الذي خلق المساحة المتاحة حالياً من حرية التعبير والتظاهر، والجمعيات السياسية، التي وقعت على المذكرة، في مقدمة من يُثمن ذلك، وفي مقدمة الحريصين ليس فقط على الحفاظ على هذه المساحة وإنما توسيعها. ومن هنا مصدر دعوتنا إلى تأكيد الطابع السلمي الديمقراطي لأي تحرك شعبي، والى البعد عن مظاهر العنف، لأننا ناضلنا لعقود من أجل بلوغ ما تحقق بعضه في البلاد اليوم، من أن يكون القانون ضامناً لحرية الإضراب والتظاهر والاعتصام والاحتجاج، بعد أن كانت مثل هذه الفعاليات محظورة، وكان نصيب المشاركين فيها الاعتقال والإيذاء والمحاربة في الرزق، لذا فنحن أكثر الناس وعياً بأهمية ما تحقق وحرصاً على صيانته والارتقاء به. لكن ما ننشده من وزارة الداخلية ليس فقط تبيان موقفها من النقاط الواردة في مذكرة الجمعيات السياسية، وإنما أيضا تلافي بعض التجاوزات التي يقع فيها رجال الأمن في التعاطي مع بعض الفعاليات الاحتجاجية والتي وردت الإشارة إليها في مذكرة الجمعيات ولا ضرورة لإعادة سردها هنا. ولأن الأمر بالأمر يُذكر فان من مظاهر هذه التجاوزات اقتحام قوات مكافحة الشغب التابعة للوزارة قاعات المحكمة عند النظر في بعض القضايا الأمنية مؤخراً، وهو أمر يلحق الضرر بهيبة ومكانة القضاء، وكذلك بسمعة وزارة الداخلية ذاتها، والوزارة تدرك حجم الاحتجاجات التي أثارتها هذه الخطوة. نحن مع احترام القانون وضمان مهابة رجال الأمن في أداء واجبهم، ولكن يجب وضع الحدود الفاصلة بين هذا الأمر وبين التجاوزات التي لا نرضى لوزارة الداخلية أو لأي جهاز آخر معني بحفظ النظام أن يقع فيها، وبالمقدار ذاته من الرفض نقف إزاء أي اعتداء على رجال الأمن وسلامتهم البدنية. يبقى القول أن مذكرة الجمعيات السياسية موضوع الحديث هي بمثابة رؤية متكاملة حول موضوع العنف في البلد، تنطلق من رغبة وطنية مسؤولة في صون السلم الأهلي، وصوغ علاقة صحية قائمة على الشراكة بين الدولة والمجتمع، وهي تتطلب من الجهات الرسمية المزيد من التجاوب والحوار.
صحيفة الايام
15 اكتوبر 2008