يكثر الحديث في هذه الأيام عن توثيق تاريخ الحركة الوطنية في البحرين بالكتابة عن كل الأحداث التي عاشتها منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي وعن قادتها ومناضليها، حتى لا يُنسى تاريخ من قدّم الغالي والنفيس من أجل أن تشرق شمس الحرية في بلادنا.
فهيئة الاتحاد الوطني، كتب أحداثها القائد الوطني المعروف عبدالرحمن الباكر في كتابه (من البحرين إلى المنفى)، الذي استفاد منه العديد من الباحثين والكتاب والقراء من الأجيال المختلفة، حيث يعتبر هذا الكتاب أحد المصادر التاريخية لتأريخ وكتابة العديد من البحوث المتعلقة بتاريخ الحركة الوطنية في البحرين، ومع الأهمية الشخصية والتاريخية للمناضل الوطني عبدالرحمن الباكر إلا أنه لم يكتب إلا القليل عن هيئة الاتحاد الوطني من قبل شخصيات أخرى غيره.
على سبيل المثال ما نشره الكاتب خالد البسام من مذكرات للشخصية الوطنية المعروفة عبدالعزيز الشملان، وهو احد قادة الهيئة، وبعض الكتابات عن الهيئة.
الكتابة من وجهة نظر شخص أو قائد لوحده لا تستطيع أن تعطي الحدث الذي يجب الكتابة عنه حقه الكامل من ناحية التفاصيل، لأن هناك مسئوليات متعددة ومنوطة بأشخاص آخرين، كانت لهم أدوار بارزة في قيادة هيئة الاتحاد الوطني.
ولكي ينجز بشكل صحيح تدوين وتأريخ نضالات الحركة الوطنية، ينتظر من القادة الأحياء في فترة ما بعد القضاء والإجهاض على هيئة الاتحاد الوطني من قبل المستعمر البريطاني تسجيل وكتابة ما لديهم من آراء وملاحظات وبالتعاون مع آخرين لمساعدتهم على القيام بتلك المهمة التاريخية والوطنية، لكي تتعرف الأجيال المتعاقبة من أبناء شعبنا على نضالات وتضحيات هؤلاء الوطنيين ضد الاستعمار البريطاني وأعوانه المحليين.
عند كتابة التاريخ سواء كان سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً أو تراثياً، تنقل الوقائع والأحداث للقارئ بأمانة وصدق دون تأويل أو حذف أو تحريف أو غض النظر عن ذلك الحدث أو الواقعة لأسباب مختلفة من قبل الكاتب، باحثاً أو دارساً للتاريخ. فالصدق والأمانة، والشفافية والحرفية المهنية، هي صفات يجب أن يتصف بها الكاتب أو الباحث الجاد، فإذا كان كاتباً مشاركاً في الأحداث والمحطات التاريخية والمفصلية في حياة حزب أو حركة أو انتفاضة من تاريخ شعب ما، عليه أن لا يجيّر الأمور والوقائع لشخصه وكأنه صانع وقائد وملهم لتلك الأحداث. ربما يكون له دور بارز وهام ولكن معه آخرون يمكن أن تكون أدوارهم أهم من أدواره فلماذا يبخس حق الآخرين؟ ولماذا شخصنة التاريخ على حساب العمل الجماعي؟. فالحقائق تقول مهما كانت أهمية الفرد في التاريخ، لا يستطيع التغيير بمفرده حتى ولو كانت أفكاره تستقطب الآلاف والملايين من البشر، فإحداث التغيير مهمة جماعية في أي مجتمع كان.
نخشى أن من يتصدى لهذه المهمة، وإن كانت الدوافع طيـبة وحسنة، أن لا يكون على الحياد فيما يكتب أو ينشر فيما بعد، وهناك مؤشرات، تشير إلى ما ذهبنا إليه، في كتابات البعض في الصحافة المحلية، أو نشر بعض من أبحاثهم أو دراساتهم، ومن ذلك أنه نشرت قبل عدة شهور في جريدة ((الوقت)) لمهتم بالكتابة عن تاريخ الأحزاب والحركات السياسية في البحرين، أربع حلقات من كتابه ((تاريخ اليسار في البحرين))، والمتعارف عليه أن المقصود باليسار في البحرين تحديداً، التيار الماركسي واليسار القومي، الأول الشيوعيون وحزبهم جبهة التحرير الوطني البحرانية، الثاني اليساريون القوميون – الجبهة الشعبية في البحرين – التي تشكل امتداداً لحركة القوميين العرب والتغيرات التي طرأت عليها بعد هزيمة حزيران عام 1967.
في غالبية سطور الحلقات الأربع المشار إليها يتحدث الكاتب عن حركة القوميين العرب التي هي أحد فصائل الحركة الوطنية البحرانية، فكان عليه أن يختار عنوانا أكثر وضوحاً هو ((تاريخ حركة القوميين العرب في البحرين)) بدلاً وأفضل من العنوان الأول.
حدث آخر هو ما كتب عن اللجنة التأسيسية لأصحاب المهن الحرة والمستخدمين، والدور البارز للراحل الوطني المهندس هشام الشهابي والمناضل النقابي عبدالله مطيويع ((أبوراشد)) في تأسيسها، يبرز السؤال التالي: ما دور الآخرين من القادة النقابيين في تأسيسها والذين وردت أسماؤهم في بيان التأسيس وفي الرسالة الموجهة إلى وزير العمل آنذاك؟ إذ تعرض البعض منهم لسنوات طويلة من الاعتقال، على سبيل المثال المناضل النقابي عباس عواجي ((أبوبدر))، وكان محوراً رئيسياً في تشكيل العديد من اللجان العمالية السرية بالإضافة إلى العشرات من النقابيين المعروفين والمجهولين الذين عملوا بصمت على تنظيم العمال في اللجان العمالية في مواقع مختلفة، فالتاريخ يجب أن يكتب بأحداثه ووقائعه، حتى لا يُنسى من ساهم في صنعه.
واقعة أخرى كنت أنا أحد أطراف النقاش فيها، سألت نائباً سابقاً عضواً في كتلة الشعب، في المجلس الوطني عام 1973، في بداية التسعينات من القرن الماضي، قبل الأحداث المعروفة في البحرين: مَنْ الجهة التي أوصلتك إلى قبة البرلمان؟ وهنا أقصد الجبهة أو الحزب السياسي، قال بمعرفة الناس لتاريخنا السياسي، كوطني وقومي فزتُ في المجلس، قلت هذا صحيح، ولكن أقصد مَنْ عمل على إيصالك ومَنْ أسس كتلة الشعب ومن صاغ برنامج الكتلة، ألم تكن جبهة التحرير الوطني البحرانية، حيث عمل مناضلوها ومناصروها وبنشاط ملحوظ من أجل إنجاحك وإنجاح الآخرين من أعضاء كتلة الشعب في 7 ديسمبر 1973.
وبعد أسبوع التقيت النائب السابق محسن مرهون وسألته السؤال ذاته، كانت إجابته واضحة وضوح الشمس بأن مَنْ أوصله إلى قبة البرلمان، هي جبهة التحرير الوطني البحرانية، وبفضل مناضليها وشبيبتها، وأضاف لا يمكن أن أنسى ذلك أبداً، وبالمناسبة المحامي محسن مرهون نزل في منطقة سنية وهي الحورة والقضيبية ونجح فيها، هكذا تـذكر الحقائق والوقائع، إذا كنا نريد أن نكتب أو نسجل من دفاترنا القديمة ونعيد نشرها للناس من جديد.
البحث عن الحقيقة مهمة صعبة، وإذا لم يضع الدارس، الحق في نصابه الصحيح، فإننا نخشى أن يُكتب التاريخ وفق أمزجة تعبر عن الذات والأنا، وانطلاقاً من هذا ولكي لا يعبث العابثون الذين يسيئون إلى تاريخ الحزب الذي قدم التضحيات والنضالات من أجل وطن حر وشعب سعيد، اتخذت اللجنة المركزية للمنبر الديمقراطي التقدمي في اجتماعها الأخير المنعقد بتاريخ 22 و23/9/2008، في رمضان الفائت، قراراً بأن تشكل لجنة خاصة مهمتها اللقاء بالمناضلين من قادة وكوادر جبهة التحرير الوطني البحرانية وأعضاء المنظمات الجماهيرية، العمالية والشبابية والنسائية والطلابية وغيرها التي ساهم مناضلو الجبهة في تأسيسها ، القيام بمهمة تسجيل وتدوين مذكراتهم لتطلع عليها الأجيال القادمة وتعرف تضحيات هؤلاء.
بالرغم من أننا بدأنا هذا العمل في نشرة “أخبار المنبر” ((التقدمي حالياً )) في السنة الأولى لإصدارها في العدد الثاني فبراير 2003، بالكتابة عن المناضل والقائد العمالي الراحل علي مدان، وفي الأعداد اللاحقة خصصنا صفحة بعنوان ((مناضلون من الوطن)) حيث أجريت العديد من المقابلات مع مناضلي قادة وكوادر جبهة التحرير الوطني البحرانية، تحدثوا فيها عن سنوات النضال والكفاح، إبان مرحلة الاستعمار البريطاني، وبعد السنوات الأولى من الاستقلال في عام 1971، وحقبة قانون أمن الدولة بعد حل المجلس الوطني أغسطس 1975، ولكنها كانت موجزة ، نظراً لضيق المساحة في صفحات النشرة.
إن الأمر يتطلب بذل جهد كبير من أجل إنجاز هذه المهمة الوطنية، حتى لا يشوه تاريخ حزبنا، فهناك من يقدم خدمة كبيرة ومجانية اليوم في تشويه ذلك التاريخ عبر صفحات الجرائد والإنترنت، ويحقق الهدف الذي عجزت عن تحقيقه أجهزة الأمن المتعاقبة على مدار خمسة وخمسين عاما ، مما يدعونا للتساؤل لماذا كل هذا؟ وما هي أهداف ودوافع البعض من ذلك؟