المنشور

الخليـج وشــبه الجـزيرة وبـؤر الإرهـاب‮ (١-٢)‬

منذ أحداث سبتمبر والمنطقة،‮ ‬أمنها،‮ ‬أنظمتها،‮ ‬شعوبها،‮ ‬ومؤسساتها،‮ ‬تعيش حالة من نوع الطوارئ الخفية والقلق الدائم من كارثة إرهابية كبيرة تهز استقرارها،‮ ‬وتفقدها المصداقية على أنها منطقة آمنة بالكامل وتخلو من مكونات وعناصر الإرهاب الدائمة،‮ ‬حيث بتنا خزانا للتصدير الخارجي،‮ ‬فهل بالإمكان أن نتجنب نحن‮ »‬صناع‮« ‬هذا المنتوج الجديد للإرهاب أن نتحاشى الأذى المحتمل؟ فمن قرأ بإمعان قائمة المشاركين في‮ ‬أحداث سبتمبر عام ‮١٠٠٢ ‬وسجناء‮ ‬غوانتانامو،‮ ‬لاكتشف مدى نصيبنا من تلك المشاركة،‮ ‬وبين الفينة والأخرى،‮ ‬تكتشف أجهزة الأمن حلقات تنظيمية أو عناصر لها علاقة مباشرة أو‮ ‬غير مباشرة بتنظيمات أساسية كتنظيم القاعدة أو أية تنظيمات جهادية اعتدنا على مسمياتها وتنويعاتها‮ »‬النغمية‮«‬،‮ ‬فالنوتة واحدة وعازف اللحن والمايسترو الخفي‮ ‬كان دائما واحدا،‮ ‬أما كقائد أو كمرشد أو ناشط ميداني‮. ‬
وطوال السنوات السبع ونحن نقرأ قائمة طويلة من الأخبار في‮ ‬منطقتنا عن تلك الأعمال،‮ ‬فكلما هدأت قليلا جبهة،‮ ‬تفجرت جبهة اخرى تلك العناصر الإسلامية المتشددة،‮ ‬التي‮ ‬تنمو وتولد بسبب المناخ العام والفتاوى والتصريحات الغريبة،‮ ‬وثقافة تتسيد الساحة السياسية والشارع السياسي،‮ ‬بعد أن خطفت جزءا كبيرا من المؤسسات الإعلامية والتعليمية ومنابر المساجد والمجالس العامة والصناديق الخيرية،‮ ‬فكان من الطبيعي‮ ‬في‮ ‬حالة الانفتاح النسبي‮ ‬نحو الديمقراطية والانتخابات العامة،‮ ‬نجدهم‮ ‬يسيطرون عليها بكثافة،‮ ‬وهو تعبير منطقي‮ ‬وطبيعي‮ ‬لنتيجة منتظرة في‮ ‬بلدان تجربتها الديمقراطية قصيرة للغاية ووعي‮ ‬المواطن مازال عشائريا وعائليا تحكمه قيم العائلة والعشيرة والتدين،‮ ‬حتى في‮ ‬تصنيفه لأمور الدنيا والسياسة،‮ ‬بل وصارت الأمور بمجملها تفسر وتتمحور حول تلك الرؤية الدينية لمسيرة حياة الإنسان المعاصر‮. ‬وإذا ما جمعنا الخليج والجزيرة في‮ ‬أعداد القابعين في‮ ‬غوانتانامو،‮ ‬فإننا نكون أبطالا للجهادية الإسلامية المعاصرة،‮ ‬التي‮ ‬قدمت نفسها نموذجا رياديا للحضارة،‮ ‬بل وترجمت أن الرفاهية‮ – ‬باستثناء اليمن‮ – ‬النفطية لا تمنع بالضرورة أولاد الأعيان في‮ ‬الذهاب بعيدا عن بيوتهم من اجل نيل‮ »‬شهادة الاستشهاد‮ !«. ‬هذه الثقافة التي‮ ‬حامت فوق رؤوسنا لثلاثة عقود أو أكثر،‮ ‬خرجت برأسها مفتخرة مع أحداث سبتمبر وكأن‮ ‬يوم القيامة قامت وان النصر بات قريبا،‮ ‬وان‮ »‬غزوة مانهاتن‮« ‬تبشرنا بصعود الفضاء ولكن بطريقة معكوسة‮. ‬وتلاحقت بعد سبتمبر سلسلة من الأعمال الإرهابية،‮ ‬في‮ ‬أنحاء كثيرة من العالم،‮ ‬ولم تسلم منها المنطقة بشكل واضح،‮ ‬كان أكثر هذه الساحات دموية هي‮ ‬اليمن والمملكة العربية السعودية،‮ ‬ولم تخل المناطق الأخرى من الأفكار والخطط المنتظرة في‮ ‬ضرب مواقع حيوية للكفار والصليبيين ومن تعاونوا معهم‮. ‬وقد شهدت جولات مطاردة بين الأمن وجيوب الإرهاب وحلقاته،‮ ‬بعضها نجح الأمن في‮ ‬اكتشافه وبعضها اخفق من تنفيذ مهماته،‮ ‬غير أن المطاردة اتسعت وتحولت إلى مستوى أرقى وارفع بين الدول،‮ ‬فقد تعلمت الأنظمة إن الإرهاب حريق عالمي‮ ‬مهما اختلفت سياسات وعلاقات تلك الأنظمة،‮ ‬فمن وجهة نظر الإرهاب إن تلك الأنظمة ليست إلا سلة واحدة من الخيانة،‮ ‬وينبغي‮ ‬مهاجمتها‮. ‬ما حدث بعد مرحلة سقوط بغداد وطالبان،‮ ‬إن لهيب الأعمال الإرهابية اقترب أكثر للساحة الخليجية والجزيرة وجغرافيا المنطقة،‮ ‬لعدة أسباب،‮ ‬فالساحات الغربية دفعت ثمنها باهظا فصار الأمن فيها مكثفا والتشريعات قاطعة وحادة،‮ ‬أما السبب الأخر،‮ ‬فإن الساحة العراقية باتت ملعبا جديدا لهم وموقعا للتدرب والاستشهاد،‮ ‬بعد أن تم كنسهم من منطقة البلقان،‮ ‬فبتنا أكثر التهابا من السابق،‮ ‬خاصة وان دول الخليج واليمن،‮ ‬أعادت النظر مجملا لتلك التجمعات الإسلامية المغطاة بالدعوات الإسلامية المبطنة وبمراكزها المالية واتصالاتها الخارجية،‮ ‬أما السبب الثالث،‮ ‬هو اشتداد حلبة أفغانستان مرة أخرى ومنطقة القبائل الباكستانية والصومال،‮ ‬فصار لهيبها الآخر قوسا ممتدا من‮ ‬يابسة تلك الجبال حتى قرى الصومال الجائعة‮. ‬وبين مثلث العراق والصومال وأفغانستان‮ / ‬باكستان فان مياه الخليج والبحر الأحمر ما عادت دافئة كما نتوهم،‮ ‬بعد أن أصبحت منطقة الخليج والجزيرة العربية وإيران حلقة وسطى جغرافيا،‮ ‬والتي‮ ‬لا‮ ‬يمكنها أن تنأى بنفسها عن تلك المؤثرات النارية‮. ‬وواقع الشد والجذب بين إيران وبلدان الخليج واليمن‮ ‬يتراوح في‮ ‬هذه الدائرة،‮ ‬غير انه في‮ ‬ضلع مثلث العراق بدا أكثر تورطا دون أن‮ ‬يخفي‮ ‬تناقض لغته الرسمية وشبه الرسمية،‮ ‬بعد زعزعة اليقين الخليجي‮ ‬بتلك المصداقية،‮ ‬تارة في‮ ‬حمى التسلح المتناهي‮ ‬البعيد المدى وتارة في‮ ‬تلك التدخلات المكشوفة في‮ ‬شؤون المنطقة وشعوبها‮.‬
 
صحيفة الايام
14 اكتوبر 2008