لا نعلم هل علينا أن نأخذ على محمل الجد وأن نصدق ما نشر قبل أيام عن رفض حكومي لمشروع مجلس النواب الذي أقره بالإجماع في 3 أكتوبر 2007 بشأن إنشاء هيئة عليا وطنية لمكافحة الفساد.
ولا نعلم حقيقة ما إذا كان علينا أن نأخذ على محمل الجد، وأن نصدق ما سبق ذلك الرفض حينما نشر ما يفيد بأن “تعزيز جهود الحكومة لمكافحة الفساد على مدى السنوات القادمة قد وضع كأولوية تحظى بدعم أعلى السلطات في المملكة”.
المفارقة المدهشة وما أكثر المفارقات المدهشة في واقعنا الباعثة على قدر كبير من الحيرة، أنه لا يفصل بين الموقفين المذكورين سوى أيام معدودة، وعلى وجه التحديد ٨ أيام، والبداية حينما ظننا وليس كل الظن إثماً، بأننا أخيراً بدأنا نمضي حقاً في طريق الجد بعد أن وجدنا فيما نسب إلى المسودة الأولية الإستراتيجية الوطنية السداسية للمملكة ( 2009 – 2014) التي أعدها مجلس التنمية الاقتصادية والحكومة، إشارات ورسائل واضحة لا يمكن إلا أن تكون موضع حفاوة وارتياح، من نـــوع ” أن الحكومة سوف تستمر في سياسة عدم التحمل المطلق للفساد والمحاباة” “وأن الحكومة سوف تعمل على تعزيز جهودها لمكافحة الفساد وسوف تنفذ نظاماً للرقابة والإشراف والشفافية والعدل، وسوف تسعى إلى التوصل إلى توازن بين تكاليف الرقابة والإشراف والمنافع”، وفي إشارة أخرى لافتة لها دلالة لا تقبل التأويل تفيد بأن الحكومة ستعين فريقاً خاصاً في ديوان الرقابة المالية للنظر في دعاوى الفساد والمحاباة يعمل بشكل مستقل وتحت الإشراف المباشر لقيادة المملكة لضمان إعطاء الأولوية المطلقة لمحاربة الفساد، وأن هذا الفريق سيعبر عن الوجه الرسمي للبحرين في مجال محاربة الفساد، وسيكون نقطة الاتصال الأولى للإبلاغ عن حالات الفساد وتلقي الشكاوى للتحقيق فيها، وإن هذا الفريق سيعنى بآليات الإبلاغ عن حالات الفساد، وملاحقة أي شخص يرتكب مخالفة فساد مهما كان مستوى ذلك الشخص أو منصبة.
ذلك وبالنص ما جاء في الإستراتيجية الوطنية السداسية للمملكة، كمحور مهم من محاورها، وهو كلام موثق ومنشور وبدا فيه أن الإستراتيجية لم تغفل دور الجمهور في التصدي للفساد عبر إشراكه في التدابير المتخذة لمكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية في تقديم الخدمات الحكومية.
قلنا بأن ذلك منشور وموثق، وبتنا على أساس ذلك نعلم محاور ومنطلقات وأهداف وبرامج أوحت لنا بأننا سوف نشهد بزوغ البشارة الموعودة التي تؤذن ببدء معركة حقيقة مع الفساد، خاصة وأننا اعتبرنا بأن ذلك الكلام ليس فيه مزح أو هزل أو التباس، لذلك فإننا بعد الأيام الثمانية وهي المدة الفاصلة بين ذلك الكلام أو التوجه أو الموقف الطيب وبين هذا الذي استوقفنا وأدهشنا لأنه حمل إلينا ما ينبئنا عن رفض حكومي لمشروع إنشاء هيئة عليا وطنية لمكافحة الفساد، والتبريرات لذلك خلاصتها:
– منع وجود هيئات جديدة تزيد الأعباء المالية للجهاز الإداري للدولة.
– وجود الكثير من الأجهزة في الدولة تمارس الأدوار الرقابية التي أراد النواب لهيئة مكافحة الفساد ممارستها، ومنها ديوان الخدمة المدنية.
– إن جرائم الفساد مثل الرشوة، واستغلال النفوذ والاختلاس والنصب وخيانة الأمانة وغسل الأموال والانحراف الوظيفي مجرمة في القوانين السارية.
الحيرة التي تملكتنا أمام تلك الحيثيات ليست بالأمر الهين، خاصة وأن لغة العقل والمنطق والمصلحة لازالت تصر على ضرورة وضع محاربة الفساد ضمن الأولويات الفعلية والحقيقية لهذه المرحلة، خاصة وأن لب المشروع الإصلاحي لجلالة الملك يرتكز على الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد، فالملك هو القائل بالابتعاد عن الفساد لنرتقي بالوطن، وهو الداعي إلى مكافحة الفساد لضمان نمو البحرين وتطورها الاقتصادي والاجتماعي، وهو الذي تبنى وساند ووجه إلى إنشاء ديوان للرقابة الإدارية – لازال في طي المجهول – ليكون رديفاً ومكملاً لجهد ديوان الرقابة المالية في مواجهة التجاوزات ومحاربة الفساد وتفعيل آليات الإصلاح المالي والإداري، ولا حاجة لنا لنعاود التذكير بكل ما طرحه الملك في مناسبات عدة في شأن موضوع الفساد، إلا أن ما طرحه يؤكد وجود إرادة سياسية ولابد أن تدفع الجميع إلى ممارسة دورهم في تحقيق الإصلاح المنشود ومناهضة الفساد.
كان من الأجدر أن يكون موضوع إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد سابقاً على إنشاء أي هيئات أخرى مطروحة للتداول والنقاش خاصة إذا كان صحيحاً ما جاء في الإستراتيجية الوطنية السداسية التي أشرنا إليها من جعل محاربة الفساد كأولوية مطلقة في الفترة المقبلة.
بقي أن نقول إننا لا نعرف حقيقة أي صدى حتى الآن على الأقل لموقف الرفض من موضوع إنشاء هيئة وطنية عليا لمكافحة الفساد، عدا الموقف الذي عبرت عنه جمعية الشفافية التي نشاطرها الدعوة في الإلحاح على مراجعة هذا الموقف، وأن يتمسك مجلس النواب بحقه ومسؤوليته في التمسك بتفعيل الهيئة كأداة من أدوات المواجهة مع الفساد، فهل سيكون مجلس النواب في مستوى المسؤولية والآمال المعقودة عليه؟
إجابة نتركها لما ستحمله لنا الأيام المقبلة لنعرف ونتعرف على الأقل على حدود المعتمد المباح في شأن موضوع محاربة الفساد..!