جاءت تصريحات الرئيس الجديد للجمعية العامة للأمم المتحدة (ميغيل ديسكوتو بروكمان) خلال افتتاح الدورة السنوية الثالثة والستين للأمم المتحدة، مبعث فخر الشعوب، بقدر ما هي مصدر اعتزاز أصحاب الرأي والضمير وهيئات ومنظمات حقوق الإنسان.. لكون هذه التصريحات الشجاعة لم يجرؤ على إعلانها، والجهر بحقائقها، أيا كان من أسلاف الرئيس الجديد للأمم المتحدة ممن شغلوا سواء إداريين أو رؤساء أو أمناء عامين لجمعية الأمم المتحدة سوى الأمين العام الأسبق لهيئة الأمم المتحدة (داغ همرشولد) ما بين عامي (1953 – 1961م) الذي في ضوء مواقفه الوطنية والمبدئية “الجريئة”على مواجهة الولايات المتحدة، اغتالته “السي اي ايه” بواسطة إسقاط طائرته بالكونجو في سبتمبر 1961م.
وهكذا ما تفخر به الأمم المتطورة والحضارية ما جاء من تصريحات شجاعة للرئيس الجديد لهيئة الأمم المتحدة (ميغيل ديسكوتو) في الألفية الثالثة، تضمن محتواها ” شن هجوم عنيف على الولايات المتحدة ” من دون تردد وبلا خوف ولا وجل بقدر الشجب والتنديد بالسياسة الأمريكية العدوانية بفرض الحصار على كوبا الاشتراكية منذ 45 عاما.
ليس هذا فحسب ولكن حملت تصريحات (ديسكوتو) في جوهرها دعوة وطنية ومبدئية تفضي بموجبها إلى «إصلاح عاجل لمجلس الأمن الدولي والبحث إلى توسيعه، مثلما اتسمت هذه الدعوة بالنقد اللاذع لاستبداد بعض أعضاء مجلس الأمن لوضع أنفسهم فوق ميثاق الأمم المتحدة واستئثارهم بحق النقض الفيتو” بحسب ما جاء على لسان الرئيس الجديد لهيئة الأمم المتحدة “.
بادئ ذي بدء نستطيع القول هو حينما أسلفنا الذكر إلى ما تطرق إليه الرئيس الجديد للأمم المتحدة قائلا «استبداد بعض أعضاء مجلس الأمن بوضع أنفسهم فوق ميثاق الأمم المتحدة«.. فان الهيمنة الامبريالية تعود أسبابها إلى سياسة دول الحلفاء التي انتصرت على دول المحور في الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي فتح أمامها الأبواب واسعة مشرعة، في ان تسن من القوانين ما يخدم مصالحها السياسية، وتشرع من تشريعات تمثلت في صياغة الميثاق الدولي، الذي ظل بنصوصه ومواده وأنظمته في ثبات وجمود باستاتيكية دوغمائية من جهة، والقائم على التفاوت والاستثناءات التي تتفرد بها الدول الكبرى في مجلس الأمن الدولي.
ولعل عملية انهيار المعسكر الاشتراكي في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي قد دفعت بالولايات المتحدة إلى أن تنتابها رغبة استبدادية عارمة في الهيمنة الامبريالية والكولونيالية باحتلالها العسكري، وترهيبها الايديولوجي، واضطهادها السياسي المفروض على دول العالم، ونهب خيراتها ومقدرات شعوبها، والعراق خير شاهد على ذلك وغيره من الدول الاخرى. ولعل القول الملح أن ما تطرق إليه الرئيس الجديد لهيئة الأمم المتحدة، حول تهميش هيئة الأمم المتحدة متسائلا «إذا كان رأي أكثر من 95% من أعضاء الأمم المتحدة يتم تجاهله، حول الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة منذ 45 عاما على كوبا عمدا، فما فائدة الجمعية العامة؟«.. ونحن بدورنا نستطيع القول: لقد اثبتت الحتمية التاريخية، وأكدت الوقائع السياسية، وبما يستجد على الساحة العالمية من أحداث، وبما تنطق به حقائق الأمم والشعوب وحقوق الإنسان والدول المضطهدة أن هيئة الأمم المتحدة لا تمتلك من الشرعية والمسئوليات المصيرية الكبرى، سوى اسمها بالصورة والشكل، من دون قدرتها على اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية، بسبب طغيان دورها السلبي الذي بات جليا أمام العيان، على ان هذه الهيئة الدولية تعاني ما تعانيه من التهميش والدونية، وبما تنوء به من ترسيخ الشلل والعجز بأجهزتها والفساد الإداري والمالي وسوء الإدارة بين أروقتها.. وضياعها بهوية هلامية هشة، وبكلمة غائبة، في ظل الهيمنة الأمريكية الأحادية القطبية، بفرض طغيانها واستبداد هيمنتها، بقانون القوة وهمجية شريعة الغاب.
انه من الأهمية بمكان القول انه ليس بالضرورة في الوقت الراهن اعتماد إصلاح وتوسيع عضوية مجلس الأمن الدولي في موعد أقصاه 28 فبراير المقبل.. بقدر ما هو أهم من ذلك كله هو إعادة النظر في صياغة ميثاق هيئة الأمم المتحدة، المستبد بأنظمته، والاوتوقراطي بقوانينه، والدوغمائي بقوانينه، التي أكل الدهر عليها وشرب..
ولعل الصياغة الجديدة والديمقراطية لهذا الميثاق الدولي، قد تكمن بالدرجة الأولى في مشاركة المنظمات غير الحكومية، منها منظمة العفو الدولية، ومختلف منظمات حقوق الإنسان، ونقابات الحقوقيين والمحامين والصحفيين والمفكرين وأصحاب الرأي والضمير، كشركاء حقيقيين ومساهمين فعليين ومؤهلين لإعادة صياغة تلك المواثيق والتشريعات الدولية التي في ضوء هذه الصياغة الجديدة للمواثيق الدولية، وبماهيتها ومفاهيمها المتجددة، ينتصر مبدأ الحق والعدل والمساواة بكفته الراجحة.. بحسب ما يمنح هذا الميثاق الدولي الجديد الصلاحية القانونية، والكفاءة السياسية في توسيع عضوية مجلس الأمن الدولي.. ناهيك عن انتشال هيئة الأمم المتحدة من براثن استبداد الولايات المتحدة، والحفاظ على هويتها وهيبتها وسيادتها، ووضع حد للهيمنة الأمريكية بنظام عولمة القطب الواحد على هيئة الأمم المتحدة من جهة، ودول العالم من جهة أخرى.. وبالتالي تغيير القانون السائد المستبد إزاء نظام التصويت وحق النقض الفيتو،وازدواجية المعايير المهيمنة من خلال مجلس الأمن الدولي. أخبار
الخليج 10 أكتوبر 2008