خلال العام الواحد تتاحُ لي فرصة المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل والحلقات المستديرة التي تناقش ما يمكن أن نُطلق عليه قضايا الساعة في العالم العربي. وقد تَكوّن لدي انطباعٌ أخذ في التعزز مع الوقت، هو أن أهم ما ينقص فكرنا وثقافتنا السياسية وخُططنا التنموية غياب التراكم، مما يؤدي، في النتيجة إلى تكرار البدايات وكثرة التجريب. فالمفردات والمحاور والموضوعات التي تُناقش في هذه الأنشطة متشابهة حد الضجر، وعندما يُفكر منظمو هذا النوع من الفعاليات في وضع محاور البحث والمناقشة فيها يتصرفون كأن الموضوع يُبحث أول مرة، فينطلقوا من أولى البديهيات التي سبق أن قِيل فيها الكثير. فيكون الناتج أن المشاركين فيها يُكررون ما سبق أن قالوه هم أنفسهم في ندوات مشابهة سابقة أو قاله سواهم في أنشطة أخرى، ومن النادر أن تُبنى ندوة أو مؤتمر على خلاصات أو نتائج مؤتمر آخر سبقهما، لينطلق منها نحو آفاق جديدة غير مسبوقة أو غير مدروسة تحتاج للدراسة والتأصيل، لتحقيق الإضافة على ما سبق أن قيل أو بُحث. بسبب ذلك يظل باحثونا ومُفكرونا والناشطون السياسيون يدورون في حلقة مُفرغة لا يقوون على كسرها، مُكررين نفس التوصيات والأطروحات التي لا تجد في الغالب الأعم سبيلها إلى التنفيذ، لذا لا تتراكم المعرفة ولا الفعل لدينا، سواء كان هذا الفعل فكريا أو سياسيا. والتراكم وحده معيار الانجاز، ذلك أن الأمور الحاسمة في ميادين الفكر والنشاط الإنساني الخلاق لا تتحقق دفعة واحدة، إنما بالتراكم الذي يفضي، مع الزمن، إلى تحولات نوعية، وهو الأمر الذي تكشف عنه التجربة الإنسانية المديدة. هذا الأمر يدعو للإعلاء من معايير الجدة والأصالة، التي تتطلب أن يقول الباحث أمراً جديداً، أو أن يُعيد النظر في أطروحةٍ قيلت، فيقدم معالجةً جديدة بمنهج بحثٍ مختلف، لأن ذلك ينتقل بالفكر من مربع إلى مربع تالٍ له، لننطلق إلى آفاق جديدة. سيبدو الأمر باعثاً على المرارة أكثر، حين نلاحظ أن الأمر لا يقف عند حدود المراوحة لا التقدم للأمام، وإنما تعداه إلى النكوص عن المنجز في الفكر والثقافة من قيمٍ للتنوير والتفتح، إلى مواقع سبق أن قدم مفكرون شُجعان تضحيات جسيمة، وفي ظروف صعبة، من أجل انجازها.
صحيفة الايام
5 اكتوبر 2008