المنشور

هشام الشهابي


هشام الشهابي بالإضافة إلى انه كان يتعاطى السياسة من دون ثرثرة او “بوزات” كان متواضعاً إلى ابعد الحدود فهو لم يبتلِ بأمراض بعض النخب السياسية التي لا تزال تعاني منها إلى يومنا هذا كالتعالي و”النفخة” والمزايدات السياسية والركض وراء الألقاب والتنكر للماضي والى آخره من هذه الأمراض.
والحقيقة أن العارف بأخلاقيات “بو عمر” يدرك في الحال أن هذا الرجل بالرغم من حالته المادية الميسورة فان المال لم يدنسه ولم يغير من تواضعه ومن حبه وانفتاحه على العطاء الوطني.
حقيقة لم اعرف هشام معرفة جيدة ولكن بدأت معرفتي به عندما زارني مع كوكبة من الوطنيين الشرفاء بعد خروجي من السجن عام (١٩٩١) وازدادت هذه المعرفة وتوطدت عندما توظفت في جامعة الخليج في حينها كان هشام مديراً للشؤون الإدارية والمالية.
وقبول توظيفي بالجامعة عام (1994) سانده هشام مساندة قوية وللإنصاف بالفعل كان متحمساً لطلبي وخاصة في ذلك الوقت لم تكن فرص العمل متيسرة ولا سيما للذين لديهم قضايا سياسية.
حقيقة ما أن أخبرت هشام بأنني تقدمت بطلب وظيفة للجامعة حتى قال لي وفي هدوء عندي علم بذلك وكذلك “الربع” اخبروني بطلبك ولكن “اصبر خير”.
في الحال قفز إلى ذهني المناضل الوطني محمد جابر الصباح ولأن هذا الإنسان يحمل هموم الوطنيين والكادحين أينما كانوا أدركت أن “بو جمال” تحدث مع هشام عن رغبتي بالعمل في الجامعة وأدركت أيضا أن هشام تحدى كل المخاطر الأمنية آنذاك بشأن هذه الموافقة وخاصة إن الإجراءات الأمنية يومها والمتعلقة بالتوظيف وقفت حجر عثرة أمامي بمعنى إن جهاز الأمن السابق لم يوافق على التوظيف مما زاد قلقي ولكن “بو عمر” كان غير مكترث وبحكم منصبه الإداري الرفيع وافق في الحال وقال لي بكل ثقة! من الممكن العمل معنا وبعدها يحلها ألف حلال.
في ذلك الوقت كانت البلاد تمر بظروف سياسية وأمنية صعبة أساسها أحداث التسعينات التي من بين إفرازات التعصب الطائفي وازدياد حدة العنف والعنف المضاد والتبعية للقوى الدينية المتطرفة وفي ذلك الوقت أيضا كان هشام يدرك إنني احد المختلفين معه حول العديد من القضايا السياسية والفكرية ولكن للأمانة هشام لا يشبه أولئك السياسيين الذين لا يحترمون الرأي الآخر ولا أولئك الذين لا هَمّ لهم إلا إطلاق الشائعات على القوى الوطنية واليسارية ولا أولئك الطارئين على السياسة الذين لا زالوا يعتقدون إن أحداث التسعينات هي التاريخ السياسي للبحرين ومن دونها لا تاريخ لهذه البلاد التي عرفت منذ عقود بقواها الوطنية واليسارية والتقدمية وبشعبها المتحضر الذي لم يعرف الطائفية إلا منذ اندلاع الثورة الإيرانية ووجود طالبان وقوى الإرهاب بل كان من نوع آخر من النوع الذي يفرض احترامه عليك المحب للآخر لا تشوبه أية عقدة من تلك العقد التي ابتلي بها بعض المثقفين والسياسيين وعلى وجه الخصوص النرجسية والذاتية والشخصنة.
هذا هو جوهر هشام الحقيقي.. هشام الذي غادر الوطن فجأة.. نعم غادر الوطن في هدوء وقلبه مفعم بحب الوطن والحياة.
 
الأيام 4 أكتوبر 2008