بتاريخ 3 أكتوبر 2008 سيتوجه إلى جنيف الوفد الحكومي والوفد الأهلي لمناقشة التقرير الوطني الأول والثاني حول اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة يوازيه التقرير الأهلي المعد من الجمعيات النسائية المنضوية تحت مظلة الاتحاد النسائي..
انضمت مملكة البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم ٥ لسنة ٢٠٠٢ إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ” سيداو”. ولدى انضمام مملكة البحرين لهذه الاتفاقية تحفظت على بعض بنودها والتي تشمل المادة الثانية، والمادة التاسعة فقرة ٢ – والمادة 15 فقرة ٤ – والمادة 16 – والمادة 29 فقرة ١، ولقد جاء في مقدمة التقرير الحكومي والذي سيناقش في جنيف مع لجنة سيداو ما يلي ” باستثناء هذه المواد التي تم التحفظ عليها فإن انضمام المملكة إلى هذه الاتفاقية لهو دليل حازم على السعي الدؤوب من قبل المملكة نحو ترسيخ مبادئ المساواة بين الجنسين في اتجاه القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة “.
لا شك إن انضمام مملكة البحرين لهذه الاتفاقية يعتبر انجازا ونقلة مهمة في تعزيز قدرات المرأة وتبوئها لمواقع صنع القرار وحصولها على جميع حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ولا ريب إن الانضمام لاتفاقية سيداو وتقديم التقارير الدولية للجنة هيئة الأمم المتحدة ومحاسبة الدول الأطراف في مدى صدقيتها في التطبيق لمواد الاتفاقية على ارض الواقع هو لا ريب لصالح المرأة..
ونتمنى على السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في إقرارها والانضمام للبروتوكول الاختياري والذي يعطي المرأة منفردة الحق في التظلم للجنة سيداو في حال عدم حصولها على حق من حقوقها من قبل الجهة المعنية.. وكذلك دراسة المواد المتحفظ عليها دراسة عصرية حيث جاء هذا التحفظ كعقبة كأداء في تطبيق مساواة المرأة بالرجل ورفع كافة التمييز ضدها.. فهذه التحفظات تفقد الاتفاقية المصداقية الفعلية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
أولا:
التحفظ على المادة الثانية وهي حسب الاتفاقية تتضمن إدماج مبدأ المساواة بين الجنسين في الدساتير الوطنية.. واتخاذ التدابير اللازمة من تشريعية وغير تشريعية لحظر التمييز.. وفرض حماية قانونية لحقوق المرأة.
طبعا من ضمنها إصدار قانون عصري للأحوال الشخصية وقد برر التقرير الحكومي هذا التحفظ بان هذه المادة تتعارض مع حدود أحكام الشريعة الإسلامية.. مع إن هذه المادة تعتبر هي جوهر الاتفاقية وعصبها فالتحفظ عليها هو إلغاء لجميع مواد الاتفاقية.
ثانيا:
وكذلك التحفظ على المادة التاسعة الفقرة ٢ الخاصة بإعطاء المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أولادها.. ألا يعتبر هذا التحفظ تمييزا ضد المرأة..؟ لماذا التمسك بقوانين عفا عليها الزمن؟ ، فالمرأة من حقها اختيار جنسية أولادها ولا يجب أن يكون هذا الحق حكرا على الرجل.. هناك لجنة أهلية تطالب بتشريع هذا الحق فعلى جميع مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها المجلس الأعلى للمرأة والاتحاد النسائي البحريني أن يرفعوا الصوت بمطالبتهم تغيير قانون الجنسية المعمول به منذ عام 1926.
ثالثا:
كما جاء التحفظ على المادة 15 الفقرة الرابعة من الاتفاقية والتي تنص على أن تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحق فيها يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم “لماذا هذا التحفظ على هذا البند؟” إذ هو في الواقع العملي غير معمول به في بلدنا كما يقوم التقرير الحكومي بتبريره فقط لان في أحكام الشريعة الإسلامية لا تسمح للمرأة التحرك والتنقل إلا بإذن من زوجها..
ألا يعني هذا أن هناك نية مبيتة لشرعنة هذه الأحكام وتطبيقها في المستقبل من قبل بعض التيارات الدينية المتشددة والمهيمنة حالياً على جميع المؤسسات الحكومية والأهلية والتي لا زالت تنظر للمرأة نظرة دونية وخاصة في ظل غياب قانون عصري للأحوال الشخصية؟.
رابعاً:
نأتي إلى الطامة الكبرى وهي المادة “16” والمتحفظ على جميع بنودها المعنية بقانون الأحوال الشخصية هذا المشروع المغيب بسبب المصالح السياسية لدى جميع الأطراف والضحية هي الحلقة الأضعف في المعادلات ألا وهي المرأة.. الكل يتشدق انه لا يمكن إصدار قانون للأحوال الشخصية إلا بتوافق مجتمعي.. ماذا يعني لنا هذا التوافق!! ما هو تقييمنا لهذا التوافق؟ من الذي يحدد آفاق هذا التوافق؟
المجتمع بكل أطيافه المستنيرة هو الذي يحدد هذا التوافق وليس فئة متحكمة في رقاب العباد تسيرهم حسب مصالحها الفئوية ونظراتها الدونية للمرأة.. هل جميع القوانين والتشريعات المطبقة راعت هذا التوافق المجتمعي لماذا هذا القانون بالذات والتشبث بالتوافق المجتمعي! إلى متى نبقى أسرى لهذا التوافق المعطل بسبب أهواء شخصية وطائفية وسياسية.
إن هذه التحفظات على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ما هو إلا تكريس لهذا التمييز.. وليست هناك نية صادقة لإلغاء كافة التمييز الواقع على المرأة والأسرة..
أليست القوانين المدنية والاقتصادية المعمول بها في المملكة تأخذ مجرى القوانين الوضعية ما عدا القوانين التي تخص المرأة والتي لم يتم تغييرها بحجة عدم التوافق المجتمعي؟.
خلال رصدنا لتطور حقوق المرأة في العالم العربي والإسلامي، نؤكد إن مقاومة الإصلاح في أوساط القوى المتشددة دينياً لم تتغير منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا.. فهم يبدؤون برفض كل جديد باسم الدين والحفاظ على الهوية الثقافية والعادات والتقاليد، وعندما ترتفع أصوات الإصلاحيين مطالبة بالتغيير والإصلاح فالجواب جاهز لديهم بان هذه الأفكار والإصلاحات ما هي إلا دخيلة على مجتمعاتنا ويبدؤون بمحاربتها.. لكنه في النهاية يخضعون لمنطق التاريخ وحركته.. كما حدث بالنسبة لتعليم البنات. والسفور والاختلاط بين الجنسين وخروج المرأة للعمل.. كما دعوا لعدم تدوين قوانين الأحوال الشخصية.. لكن اغلب البلدان العربية لديها قوانين الأحوال الشخصية.. حيث تناضل الحركات النسائية والقوى الديمقراطية لسنّ هذا القانون.. وقد حاربوا تمكين المرأة في الحياة العامة والمشاركة السياسية. ولكن الآن يستخدمون المرأة مطية لهم كناخبة وليس كمرشحة للاستفادة من صوتها.
إن ما نريد الوصول إليه هو القول أن جميع تدوين القوانين ما هي إلا فعل سياسي.. وجميع الفتاوئ التي تصدر من بعض رجال الدين كذلك فعل سياسي.. ولهذا نعتبر أن تدوين الأحوال الشخصية يعتبر فعلا سياسيا تضطلع به الدولة باعتبارها سلطة دنيوية مما يدل على أن عملية وضع القوانين شأن بشري قابل للتغيير والإصلاح وفق المصلحة الإنسانية ومقتضيات التحولات المجتمعية، فإذا كان هناك إجماع أممي حول قيم المساواة في الحقوق والإقرار بمواطنة النساء كقيم مشتركة تتجلى في المواثيق الدولية فمسألة تضمينها في قوانين الأسرة والأحوال الشخصية أصبح امرأ ضروريا. ولا يمكن تجاهلها أو إبعادها باسم الخصوصية المجتمعية أو بحجة كونها مستوردة من الغرب… بل إن أمر تقنين حقوق المرأة وحقوق الطفل وصون كرامة المرأة أصبح مواكبا لمسار الديمقراطية وتفرض نفسها عالميا.
الأيام 4 أكتوبر 2008