في رأي سلامة موسى لو أن رجلاً ممتازاً في قواه الذهنية والأخلاقية مثل المهاتما غاندي زعيم الهند وقائدها نحو الاستقلال شرح للناس الطعام الذي يأكله والذي ساعده على أداء مهامه الشاقة لانتفع الناس بتجاربه. ولكن قل أن نقرأ سيرة أحد العظماء ونرى فيها وصفاً لطعامه على نحو ما نجده في سيرة غاندي.
يظن سلامة موسى أن طعام كل إنسان هو كالحذاء أو البزّة، يحتاج إلى قياس خاص بعد اعتبار الجسم من حيث مزاجه ثم اعتبار الحرفة التي يحترفها الشخص، وقد عرف غاندي قياسه بعد التجارب التي يقوم بها على نفسه.
درس غاندي الطعام لبواعث وغايات مختلفة، فهو نفسه ينزع إلى النسك ويحتاج إلى الطعام الذي يوافق حياة النسك، ثم هو يقول بالعودة إلى الطبيعة، وهذه العودة تقتضي بساطة العيش والرضا بأبسط الأطعمة وأقلها حاجة إلى عناية الطباخ وتعدد التوابل واختلاف الألوان، وهو بعد ذلك يجد في درس الطعام ما يبصره بالخطط الوطنية، كما فعل في مسألة الملح. ففي نطاق صراعه ضد الانجليز دعا أبناء شعبه إلى عدم دفع ضريبة الملح التي فرضها المستعمرون على الهنود، ولهذا علاقة بالطعام الهندي، ذلك بأن الهندوس أقل الشعوب تناولاً للحوم بسبب تقديسهم للبقرة، وفيهم طوائف لا تذوق اللحم بتاتا، كالطائفة التي ينتمي إليها غاندي، ثم ان الفاقة تجعل الهنود يقبلون على الأطعمة النباتية، وهذه الأطعمة تحتاج إلى كثير من الملح، ومن هنا كانت حاجة الهنود إلى الملح كبيرة جدا، لأنهم يقتاتون بالأطعمة النباتية، لذا جاءت دعوة غاندي لمخالفة الحكومة بالكف عن دفع ضريبة الملح الذي هو ضروري لكل إنسان.
كان غاندي ناسكاً ومناضلاً، والنسك يتطلب الكف عن الشهوات بالصوم وقلة الغذاء، والنضال يتطلب طاقة وجهداً، مما يقتضي التغذية الجيدة التي تعين على الحركة والنشاط، وكان على غاندي أن يلائم بين الغايتين، وقد وجد بالتجارب التي أجراها على نفسه انه لكي يراقب ما يدخل في ذهنه عليه أن يراقب ما يدخل معدته، لذا فإنه قد اقتصر في وقت من الأوقات على لبن عنزته، وعلى الفواكه الجافة كالبلح وغيره. وهذا الطعام يكفيه بالغداء الذي يلزم جسمه، فلبن الماعز كثير الدسم، قليل المعادن، والفواكه الجافة خالية من الدسم كثيرة المعادن، وهذا يؤلف طعاماً تاماً لرجل مثل غاندي لا يعمل بعضلاته وإنما بذهنه، وينشد هدوء العواطف لا ثورتها، وقد أتاح له هذا النظام أن يعمل نهاره كله وبعض ليله لخدمة بلاده، فهو لا يُقيّل عقب الغداء على نحو ما نفعل نحن بعد وجبات غدائنا الدسمة المليئة باللحوم، فنثقل ونسترخي بعد الطعام، ولا يعود بوسعنا النهوض إلا بعد نوم عميق متصل، فيما كان غاندي يبقى نشيطاً طوال نهاره، قادراً على العمل والعطاء.