خلافاً لما ينص الدستور الإيراني الذي يركز أغلبية الملكية في يد الدولة بدأت الحكوماتُ المتعاقبة الإيرانية في العقد الأخير سياسة الخصخصة واحتضان رؤوس الأموال الأجنبية. ففي سنة 2004 دخلت إلى إيران رساميل أجنبية بمبالغ تصل إلى أكثر من 300 مليون دولار، وساهمت الدول العربية في استثمارات النفط والغاز والبتروكيماويات كذلك. وفي ذات الوقت تمت خصخصة ما قيمته ألف وثلاثمائة مليار ريال (الدولار يعادل 9300 ريال). وقد أعلن مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي تخصيص ما نسبته 85% من حصص المؤسسات العامة ووسائل الإعلام والنقل وقطاع المعادن والبنوك. ويقولُ تعليقٌ صحفي إن (خطة الخصخصة تتطابق مع المادة 44 من الدستور، التي تتحدث عن الملكية الخاصة في قطاعات الصناعة والزراعة، وتبقى ثلاثة أرباع الاقتصاد بيد الدولة).
وهذا أمرٌ غير متناقض في الحقيقة إذا عرفنا أن أغلبية الملكية العامة من حيث القيمة هي في البترول والغاز، وبهذا فإن تترك الدولةُ القطاعات القليلة الربح والمحدودة أمر لا يصل بالتخصيص إلى حتى 30%. ويشوبُ سياسةَ الخصخصة بعضُ الغموض كما أعلنها الرئيس أحمد نجاد، فقد اعلن سياسة بيع بعض الأسهم للفقراء كما عبر، ويصل البيع إلى ربع المؤسسة الحكومية. لكن هل يستطيع الفقراء شراء مثل هذه الأسهم حقاً؟ إن سياسة التغيير الاقتصادي هنا أشبه بالحصول على موارد مالية جاهزة سواء عبر مساهمات الشركات الأجنبية، أو الاستعانة بالفائض عند المقتدرين من الإيرانيين أو الشركات الخاصة، لكن تظل القوى الاقتصادية الكبرى لدى الدولة كما جرت الأمور في رأسماليات الدول الشرقية المتحكمة في الموارد المهمة. وهي سياسةٌ لا تغير من الأوضاع الاقتصادية الهيكلية، فليس ثمة إعادة هيكلة كما تقولُ الحكومةُ الإيرانية أو الدولُ الشرقية. فتغدو الفئاتُ الوسطى مجردَ ملاحق بآلة الدولة عاجزة عن تكوين رؤوس أموال صناعية قوية، والانتهازي منها من يقفز فوق الظهور ويحقق أرباحاً ولكن في بناء اقتصادي محفوف بأشد أنواع المخاطر. إن سياسة التغيير هي استمرار لتضخيم الدولة، وهذ التضخم السياسي – العسكري – الاقتصادي غير المحلول بل المتفاقم. وحسب المصادر الإصلاحية الإيرانية فإن 14 مليوناً من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، أي أن مداخيلهم أقل من (420) دولاراً في الشهر، وقد تحدث وزير الشؤون الاجتماعية عبدالرضا مسري سنة 2007 عن وجود(9،2 مليون فقير يشكلون 5% من سكان المدن، و11% من سكان الريف). وأشار الوزير كذلك إلى وجود مليوني إيراني يعيشون تحت خط الفقر بشكل أشد يأخذون سبعين دولاراً شهرياً فقط. كما أن هناك تضخماً عالياً في إيران نسبته 26% في سنة 2008 قياساً لأسعار السنة الماضية. يقول الخبير الاقتصادي الإيراني حسن أكبري إنه اعتماداً على الأرقام الحكومية فإن 50% من الإيرانيين يمكن اعتبارهم فقراء، كما أن 70% من المواطنين يعيشون بـ 40% من الدخل الوطني، وهذا كما يقول (يعكس فجوة طبقية كبيرة وينذر بتلاشي الطبقة المتوسطة وانضمامها للطبقة الفقيرة)، (من موقع الجزيرة). وكان الخبير الاقتصادي محمد جواد زاهدي قد نشر بحثاً مطولاً عن أوضاع إيران الاقتصادية حذر فيه من (تسونامي فقر يهدد الجمهورية الإسلامية وأكد أنها وهي البلد الغني تواجه وبصورة مقلقة اتساعاً لرقعة الفقر). ويحدد هذا الخبير سببيات الفقر بالتالي؛ (تشجيع النسل في العقدين الأخيرين، واتساع الاستثمارات غير المناسبة، ورافق ذلك غياب المساواة والفساد الإداري وارتفاع التضخم وضعف القطاع الخاص وشيوع الفسادين الأخلاقي والاقتصادي). إن أغلب هذه المشكلات المعروضة من خبراء إيرانيين معروفين تندرج في باب النتائج، وليست هي الأسباب العميقة، فكما قلنا إن رأسمالية الدولة الشمولية هي المنبع المنتج لهذه الظاهرات، فقوى البيروقراطية السياسية والاقتصادية والعسكرية هي التي أثرت، وهي التي تتمتع أسرياً فلا بد أن يزداد نسلها عبر الزواج، وهي التي تتلاعب بالموارد وتبيع قسماً منها في السوق السوداء، وتقوم بالمشروعات الخاصة وتدعم التجار المقربين منها وهذا كله ينعكس في مشروعات غير مناسبة كما يحدث في الدول الأخرى بالتركيز في المشروعات العقارية والخدماتية والمالية الخ وهذه بنسبة عالية متضخمة تهدرُ المواردَ وتزيدُ الاستيرادَ فيزداد التضخم فيتوسع الفقر. إن تقزيم الرأسمال الصناعي هو جزءٌ من مسار تاريخي، يؤسسهُ نمو القوى الهامشية الاجتماعية؛ موظفو الدولة، الذين يلعبون دوراً تحكمياً في سيرورة الخطط الاقتصادية، لكي تزيد من دخولهم، وليس عبر قراءة موضوعية للخريطة الاقتصادية ولكيفية تطوير الإنتاج. هذا هو العامُ عادةً في أغلبية رأسماليات الدول الشرقية، والخاص يختلف من دولة إلى أخرى، وفي إيران نجد أن القطاعَ العام لا يزال هو المسيطر، وكانت الدعوةُ للتخصيص تعبيراً عن معرفة وإدراك لمشكلة هذا القطاع الثقيل على ظهر المجتمع، ولكن خطة التخصيص اتجهت إلى جوانب نقدية هي أقرب إلى مساعدة نفس هذا القطاع العام بمدخرات المواطنين في حلم خيالي بتوزيع الأرباح على الفقراء وإزالة البؤس. وهكذا فإن المشكلة المحورية في كل مجتمع شرقي، وهي تحكم الدولة في الاقتصاد بشكل كلي، وعدم الاعتماد على آلية السوق، قد ظهرت هنا بتفاقم الفقر وصعود قوة غنية كبيرة على الهرم الاجتماعي، في حين تنحدرُ فئاتٌ وسطى عديدة إلى قاعدة هذه الهرم المتسعة. وفي ذات الوقت فإن جمهورية إيران مفتوحة للمسلمين بحكم كونها دستورياً مؤسسة الامبراطورية الإسلامية الجديدة، وهذا ما أدى إلى تدفق ملايين الأفغان على سبيل المثال داخل حدودها، وهم شديدو الفقر، وتوجهوا للأعمال اليدوية المتدنية تماماً، مزاحمين العمال الإيرانيين.
صحيفة اخبار الخليج
28 سبتمبر 2008