قرأت، منذ أيام، في إحدى صحفنا المحلية خبراً منسوباً للسفارة الهندية في البحرين، مفادهُ أن عدد الرعايا الهنود في البلد بلغ، حسب إحصائية حديثة جداً، مائتين وتسعين ألفاً، وأنهم يشكلون أكثر من نصف الأجانب الذين يبلغ عددهم نحو نصف مليون شخص، من أصل مليون نسمة، أو أكثر، هم عدد سكان البلاد مُجتمعين، حسب المعطيات الإحصائية التي قدمتها الدولة لمجلس النواب. حتى حين قريب كانت البحرين تُمثل حالة مختلفة، نسبياً، عن نظيراتها الخليجيات، من حيث كون السكان المحليين أكثر من الأجانب، ولكن هذا الميزان تغيّر، فتساوت كفتا البحرينيين مع غير البحرينيين، وقد لا يكون بعيداّ ذلك اليوم الذي ترجح فيه كفة الأخيرين، إذا ما استمرينا على المعدلات الحالية في جلب العمالة الوافدة. ليس في الأمر ما يحمل كبير دهشة، إذا ما نَظرنا للأمر من الزاوية الخليجية الأشمل، حيث القاعدة هي أن من هم غير خليجيين يُشكلون غالبية السكان، مع ما يترتب على ذلك من نتائج على الاقتصاد، بدرجة أساسية، حيث معدلات النمو المتحققة غير مُمكنة إلا بهذه الكثافة من العمالة الأجنبية. وليس في الاقتصاد وحدهُ نجد الآثار، إنما في أنماط السلوك وفي طبيعة الثقافة، لأن الحديث لا يدور هنا عن أنماط الهجرة القديمة لدول الخليج من المحيط الجغرافي المحيط: فارس وأفريقيا وحتى من الهند ذاتها، حيث اندمج »المهاجرون« على مدى زمني معقول في البنية السكانية المحلية، وأصبحوا جزءاً عُضوياً لا يمكن رده إلى أصله من هذه البنية، كما أن الحديث لا يدور عن الوافدين العرب المقيمين في البلدان الخليجية، الذين هُم من ذات النسيج الثقافي والتاريخي لأهل المنطقة، وإن وُجدتْ بعض الفروقات، فهي غير جوهرية، بل إنها، في بعض الحالات، شكلت عامل إغناء وتطوير لهذا النسيج وليس العكس. الحديث يدور عن عمالة آسيوية واسعة العدد آتية من سياقات ثقافية واجتماعية وتاريخية مختلفة، وهؤلاء العمال لم يأتوا المنطقة ليعودوا إلى أوطانهم. فالعمالة الوافدة تتحول إلى مُقيمة، وهذا سيمنحها مع مرور الزمن حقوقاً ليس بوسع دُولنا إدارة الظهر لها في عالم اليوم المحكوم بآليات العولمة وبتطور المعايير الإنسانية في التعامل مع هذه العمالة، وما تفرضُه هذه الآليات والمعايير من تشريعات وقواعد للعمل والإقامة والهجرة، ليس بوسع دول الخليج، المتورطة في هذه العولمة، شاءت أم أبت، أن تكون مُستثناة منها، عاجلاً، وبشكل خاص آجلاً. هذه حقيقة جديرة بالوقوف المسؤول أمامها، فخلا عدد محدود من الخليجيين من مديري أي مشروع اقتصادي كبير في بلداننا الخليجية، والبحرين ليست استثناء من ذلك، سيكون العمال والمشرفون والفنيون والمنظفون والحُراس من هؤلاء العمال الأجانب، بالطريقة التي تجعل من المستحيل تصور أي مشروع اقتصادي يقوم وينجح من دونهم. ليس ما في ما نقول شيء جديد، ولكن لا يبدو أن أحداً راغباً في التبصر في الأمر، لكي لا نقول تدبره.
صحيفة الايام
28 سبتمبر 2008