بهدوء شديد ودونما أي إزعاج أو ضجيج، تعلن بعض الحكومات المجاورة زياداتها ومكافآتها المالية لمواطنيها، إدراكًا منها بأحقيتهم في الظروف التي يشتعل فيها زيت الغلاء إلى حد لا يطاق الاقتراب من لهيبه، وتتراكم المسؤوليات المالية إلى حد يرهق خلايا الرأس خاصة في المناسبات التي تتطلب موازنة مالية خاصة واستثنائية؛ كشهر رمضان وبداية السنة الدراسية الجديدة والعيدين المباركين، بجانب إحساس هذه الحكومات بمسؤولياتها تجاه مواطنيها وأحقيتهم كلما (تنعم) بيت المال بفائض النفط والأرباح التي يدرها وتدرها المؤسسات ذات النفع العام والخاص.
بهدوء شديد يعلن مذيع الأخبار أو تعلن الجريدة هذه الزيادة أو المكافأة، وبفرح كبير يتلقون هؤلاء المواطنين هذا الخبر ليتوجهوا بعده بخالص وفائض الشكر إلى أهل البشارة ووجوههم تبدو عليها علامات الراحة والنعمة، مؤمنين تمام الإيمان بأن ما تحصلوه هو من حقهم وأن حكوماتهم تدرك حقوقهم دون مناوشة منهم وتعي مسؤولياتها تجاههم دونما تذكير بها، وبالتالي تتعزز وتقوى جسور الثقة بينهم وبين حكوماتهم، لذا وإن حدث أي تقصير من هذه الحكومة في أمر يتعلق بحقوقهم فعلى وجه السرعة تباشر في رأبه قبل أن تتصاعد الاحتجاجات والاعتراضات عليها فتخسر الثقة التي منحها هؤلاء المواطنين.
أما نحن فلا حق يأتي بسهولة، ولا مجال لهدوء نفسي يتأسس على ضوئه جسر ثقة متبادلة بين المواطنين وبين المسؤولين عن حقوقهم، كل شيء يأتي بالضجيج والفوضى وبحزمة المطالب التي لا تتوقف عند حد من (الهدنة) المؤقتة حتى تبدأ من جديد، ولعلها بسيطة ويسير أمر حلها، ولكن يبدو أن (شعللة) هذه القضايا أصبحت عادة مزمنة في مجتمعنا.
وما لم تتناولها الصحافة ويحتدم الصراع بين أطراف المجتمع الكثيفة، وما لم تتناولها بعض مؤسسات المجتمع المدني في ندواتها وتقاريرها، وما لم يتصعد الأمر إلى حد لا يرجوه أحد أو يستريح له، وما لم تتدخل جهات ومساع حميدة من هذا الطرف وذاك لحل هذه القضايا والمطالب، وما لم يلعن كل مواطن عانى الأمرين من وضعه، يلعن نفسه وأسلاف (سلسفيله) في بيته وفي المجالس، وما لم يتفاقم الأمر ليصبح بعض منه أشبه بالإشاعة الكارثية، وما لم وما لم فإن الجهات المعنية سوف لن تحرك ساكنًا يطمئن المواطنين على بعض حقوقهم.
والمصيبة (تتشعلل) أكثر حين تجد من هم معنيون بتخفيفها وإطفاء نارها في المجلس النيابي، هم من يزيدها حطبًا وذلك بصراعاتهم وشجاراتهم وخلافاتهم حول تحقيق النزر اليسير منها، وبالتالي هم من يساهم أيضًا في تأجيجها وتأخير إمكانية تنفيذها، ولا نعرف بعدها ممن يشكو المواطن ولا إلى من يشكو همه .. ‘ويا نار شبي من ضلوعي حطبك’، فلا شيء يأتي ويتحقق بهدوء، ولا تنتظروا وجهًا تبدو عليه الراحة والطمأنينة ما لم ينل حقه بهدوء ودونما ضجيج!!