المنشور

ما تقوله التقارير

من النادر أن تقدم وزارات الدولة وأجهزتها تقارير تتضمن بيانات تفصيلية عن أدائها وخططها المستقبلية وآفاق هذه الخطط والنتائج المتوخاة منها خلال أمدٍ‮ ‬من الزمن‮.‬ وأكثر ما‮ ‬ينطبق ذلك على الوزارات المعنية بالشأن الاقتصادي‮ ‬والاستثماري،‮ ‬وبانجاز البنى التحتية وتطويرها بما‮ ‬يتلاءم وآفاق هذه الخطط والحاجات المتزايدة للمواطنين في‮ ‬خدمات أفضل،‮ ‬في‮ ‬مجالات الصحة والتعليم والسكن،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن تطوير الشوارع وتوسيعها والنهوض بأوضاع المناطق السكنية،‮ ‬خاصة تلك التي‮ ‬تعاني‮ ‬أكثر من سواها من الفقر والحاجة‮.‬ ليس‮ ‬غريباً‮ ‬بعد ذلك أن‮ ‬يسود نمط من التقارير والدراسات التي‮ ‬تقدمها هيئات بحثية ومراكز أجنبية،‮ ‬تقع في‮ ‬الغالب في‮ ‬واحدٍ‮ ‬من تطرفين،‮ ‬إما تقديم صورة زاهية ودعائية تغفل،‮ ‬متعمدةً،‮ ‬عن المشكلات والمعوقات الحقيقية التي‮ ‬نعاني‮ ‬منها،‮ ‬وكثيراً‮ ‬ما تقوم جهات حكومية بتمويل هذا النوع من التقارير،‮ ‬بصورة من الصور،‮ ‬ظناً‮ ‬منها أن هذه إحدى وسائل ترويجها وتسويقها‮.‬ فيما‮ ‬ينحو نوع آخر من هذه التقارير،‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬غياب المعلومات الموثقة التي‮ ‬تقدمها الدولة إلى رسم صورة لا تخلو من الإجحاف عن مؤشرات التطور في‮ ‬البلد،‮ ‬خاصة في‮ ‬ظل المنافسة الحامية في‮ ‬المحيط الإقليمي‮ ‬على استقطاب الاستثمارات والمؤسسات المالية والمصرفية‮. ‬ مؤخراً‮ ‬أصدر مركز البحرين للدراسات والبحوث تقريره الاقتصادي،‮ ‬الذي‮ ‬إذ توقف مطولاً‮ ‬عند الايجابيات،‮ ‬الا أنه سلط ضوءاً‮ ‬كافياً‮ ‬على ما تعاني‮ ‬منه البحرين من صعوبات على الصعيد الاقتصادي،‮ ‬منبهاً‮ ‬من مخاطرها وتداعياتها السلبية إن لم‮ ‬يُصر إلى حلها مُبكراً‮.‬ ولعل هذا التقرير‮ ‬يُعد من الحالات النادرة التي‮ ‬تجري‮ ‬فيها مقاربة قضايانا بعينٍ‮ ‬فاحصة،‮ ‬بدل الإغراق في‮ ‬تزيين الأمور،‮ ‬وإغفال المشاكل،‮ ‬فالتقرير‮ ‬يتوقف أمام زيادة عدد السكان الذي‮ ‬تجاوز المليون نسمة،‮ ‬مُحذراً‮ ‬من تبعات ذلك على مستقبل ومستوى برامج التنمية،‮ ‬وما‮ ‬يشكله من ضغطٍ‮ ‬على الخدمات،‮ ‬خاصة الحيوية منها كالصحة والتعليم،‮ ‬التي‮ ‬ستتطلب بالضرورة إنفاقا حكومياً‮ ‬أكبر،‮ ‬ولسنا نعلم مدى استيعاب الأجهزة المعنية في‮ ‬الدولة لمثل هذه الحقيقة،‮ ‬ومدى استعدادها لمواجهتها في‮ ‬غياب المعلومات الوافية كما أسلفنا‮. ‬ في‮ ‬ظل البيانات التي‮ ‬تسوقها الحكومة عن تناقص معدلات البطالة،‮ ‬يقدم تقرير المركز معطيات متشائمة حول الموضوع،‮ ‬حين‮ ‬يُحذر من أن هذه البطالة سوف تشهد ارتفاعاً‮ ‬من ‮٥١‬٪‮ ‬إلى ما‮ ‬يزيد عن ‮٣٣‬٪‮ ‬بين السكان المحليين،‮ ‬ما لم تحقق إصلاحات سوق العمل أهدافها،‮ ‬في‮ ‬حين لا تملك البحرين القدرة الكافية على استيعاب العاطلين في‮ ‬القطاع الحكومي،‮ ‬على نحو ما تفعل دول الخليج الأخرى‮.‬ يُحذر التقرير أيضاً‮ ‬من أن البحرين ستُواجه أزمةً‮ ‬حادةً‮ ‬على صعيد الإسكان في‮ ‬الأعوام القادمة‮ »٠١٠٢ – ٠٢٠٢«‬،‮ ‬إذا لم تُسرع في‮ ‬بناء الوحدات الإسكانية،‮ ‬لأن نصف عدد سكان البحرين حالياً‮ ‬تقل أعمارهم عن ‮٥١ ‬سنة‮. ‬ مؤشرات مثل هذه لا‮ ‬يجوز الوقوف إزاءها باستخفاف ولا مبالاة،‮ ‬بل‮ ‬يجب التبصر فيها بمسؤولية،‮ ‬خاصة وان التقرير‮ ‬يتحدث عن ايجابيات عديدة،‮ ‬بينها ما‮ ‬يصفه بالبنية التحتية والقانونية المتطورة تلبي‮ ‬حاجة المستثمر المحلي‮ ‬والدولي،‮ ‬تجعل من الممكن تفادي‮ ‬مخاطر ما‮ ‬يُحذر منه التقرير عبر تدابير مدروسة وفعالة‮.‬
 
صحيفة الايام
22 سبتمبر 2008