يتحرك الشارع الباكستاني بين حالتين وظاهرتين واضحتين، إما انه غاضب ومحتج وصدامي، أو انه يرقص فرحا بانتصار حققه في تلك الساعات القليلة، وكأنه اعتاد الفرح القصير للغاية بتوزيعه قطع الحلوى والتحاضن المتتالي بين الأصدقاء والأنصار المنتصرين، لتلك الشهور المفعمة بالدم والعنف والهتافات المنددة. فها هي تواصل قوى المعارضة في اجتماعات ماراثونية ولساعات طويلة وأيام حول تقاسم السلطة وآلية إدارة البلاد مستقبلا ومحاسبة الرئيس حاليا. وكيف ستتم الأمور الأخرى بين حلفاء الأمس، حزب الشعب والرابطة الإسلامية، فبعد مسألة »الخلافة والاختلاف« حول الكرسي الذهبي لبلد يختزن زلازل سياسية ومراكز التفجيرات العالية بمعدل ريختر سياسي عالي يتعدى الوضع الاستثنائي في أي بلد آسيوي، فباكستان إلى جانب كونها مصابة بعلة مزمنة بالأزمات، هناك بلد حدودي مجاور يتبادل معه هذه العدوى بشكل منتظم، وكأنما حدود أفغانستان وباكستان هو البارود المشتعل بضمانات غير واضحة من القبائل والتيارات الإسلامية المختلفة، من المعتدلين حتى أقصى التيارات الدينية تطرفا والمتآخية تنظيميا وسياسيا مع تنظيم القاعدة. تلك البنود التي سيناقشها وناقشها الائتلاف المنتصر، إلى جانب مسائل عدة دستورية وسياسية، كمسألة محاكمة برويز مشرف أم إعطائه ضمانات بعدم المس (الحصانة) وتركه يرحل حيثما يريد ويعود متى ما يشاء، مثل تلك الحصانة قد لا تعجب كثيرا جماعة الرابطة المشحونة بماضي نفي الرئيس »المتوقع« نواز شريف، الذي صدمه انقلاب الجنرال ووضعه في السجن ثم نفاه إلى المملكة العربية السعودية »الضامن الجديد« لكل رؤساء باكستان المغضوب عليهم. فيما يرى زرداري انه لا يميل حزبه وجماعته إلى مسألة الانتقام باعتبار أن الرئيس / الجنرال ليس وحده المسؤول عن المرحلة المتوترة، ومن الصعب وضع جميع المتورطين فيها خلف القضبان، خاصة المؤسسة الأمنية والعسكرية، فذيول تلك المرحلة وخيوطها العنكبوتية لا تنتهي بعصا وقبعة الرئيس العسكري، وإنما بمؤسسات باتت فاسدة ومتجذرة، تبتلع ثروة وخزانة البلاد تحت حجة حاجة تلك المؤسستين (الجيش والأمن ) إلى المزيد من العتاد والرجال لمواجهة الإرهاب وبلد نووي كبير كالهند. بالإضافة إلى ضغط أطراف خارجية صديقة تطالب بمنح مشرف حصانة سياسية، لكونه من أكثر رؤساء باكستان الذين وقفوا مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب. ولا يمكن لأي حكومة جديدة قادمة الاستغناء عن تلك الدول نفسها والتي ستقف معها في مواصلة حربها على الإرهاب. ما يطلبه الحلفاء مسائل ضرورية، من أهمها احترام الشرعية الديمقراطية والدستورية كخيار اختاره الشعب الباكستاني، وفي الوقت ذاته أن تضرب تلك الحكومة بقوة عنق الإرهاب المستشري داخل باكستان. أما المسألة الأهم هو مكافحة الفساد لانسياب وضمان الاستثمارات والدعم الاقتصادي لبلد معرض للانهيار إذا ما تواصل على نفس النهج. وبقدر ما تقلق باكستان الخلافات الحدودية تقلق المجتمع الدولي انفلات المسألة النووية عن السيطرة، بتعرضها للتسرب ليد الجماعات الإرهابية أو توظيفها في حرب إقليمية وان كان بشكل محدود. وتبقى عملية اقتسام كعكة الحكم بين قوى الائتلاف قضية داخلية، بين قطبي قوتين ظلتا شرهتين للسلطة طوال عقود، ولدى كل طرف فيهما رؤية مختلفة في إدارة البلاد، بينما يلتقي الطرفان بل والنخب والشارع السياسي على ضرورة احترام كل المتحاورين حول إدارة البلاد دستوريا وتعهد الرئيس الجديد على احترام الديمقراطية الدستورية وهو مبدأ ثابت يهم الجميع. وعلى ضوء تلك الركيزة السياسية لابد من خلق ضمانات لا تتكرر فيها الانقلابات وتدخل الجيش في الأزمات السياسية. وعلى هذا الأساس صار من المهم تقليص صلاحيات الرئيس دستوريا، وستكون النقطة الأكثر خلافية إلى – جانب كيفية تقاسم السلطة – رؤية كل طرف مسألة كيفية معالجة مطاردة العناصر الإرهابية وطالبان الباكستانية في الحدود المتشعبة بين باكستان وأفغانستان، ومدى التفاهم الممكن مع قبائل متعددة لا تخلو مواقفها المتشددة في تأييد تنظيم القاعدة. من تعانقوا اليوم برحيل مشرف هم أنفسهم من سيتصارعون غدا، حول ملفات كثيرة معقدة أشبه بالبراميل المتفجرة، إذ لا يمكن استئصال الإرهاب والتيارات الدينية المتشددة من باكستان بخاتم سحري، أو بتغيير عسكري عاجز برئيس مدني متحمس للديمقراطية الباكستانية، التي ستواجه عدوا شرسا اسمه الفقر والعصبيات المتنوعة والفساد والتخلف. ترى هل ستغيب عن ذاكرة المنتصرين ملف بنازير بوتو الغامض أو تفضيل المحاسبة بالتكتم؟!
صحيفة الايام
21 سبتمبر 2008