إجراء وزارة التنمية بتجميد الحساب المصرفي لجمعية التمريض في أحد البنوك يشكل تصعيداً في المواجهة بين الوزارة والجمعية المذكورة، وهو لا يمكن أن يفسر إلا كونه رداً على التحرك الذي يخوضه الممرضون من أجل بلوغ كادر وظيفي مُنصف، وهو أمر يندرج في إطار التحرك المطلبي الواسع الذي يخوضه أكثر من قطاعٍ من القطاعات المهنية والعُمالية في البلد. حتى الآن لم تشرح وزارة التنمية أوجه تحفظها على الجمعية العمومية الأخيرة للجمعية، التي أشرفت على نتائج الانتخابات فيها جمعيات حقوقية، ومع ذلك تواصل الوزارة الضغط على الجمعية، التي يأتي تجميد الحساب المصرفي لها في إطاره، وهو يؤسس لأسلوب جديد في التعامل مع الجمعيات المهنية. وأكثر ما يسترعي الانتباه هو توقيت المواجهة الذي اختارته وزارة التنمية مع جمعية التمريض، الذي ترافق مع التحرك من أجل إقرار كادر جديد للممرضين يكون أكثر إنصافاً من المعمول به حالياً. ولسنا معنيين بالخلاف داخل الجمعية حول الموقف من مجلس إدارتها، فذاك شأن تنظيمي داخلي يعني أعضاء الجمعية وحدهم، وهم المعنيون بتدبر أمر حله، ما يعنينا هو الوقوف مع تحرك مطلبي مشروع لواحدٍ من أكثر القطاعات حيوية في البلد، ولا يمكن لموقف الوزارة بتحريك موضوع مجلس الإدارة في هذا الوقت بالذات إلا وصفه بأنه شكل من أشكال إعاقة التحرك المطلبي والتشويش عليه. في وضع تتزايد فيه الضغوط على التحركات المطلبية، ممثلةً بدرجة رئيسية في تعميم ديوان الخدمة المدنية الذي ينتهك الحقوق الدستورية والقانونية للمواطنين التي تضمن لهم حرية الانتماء السياسي وحرية الانخراط في العمل النقابي والمطلبي والاحتجاج السلمي، إضافة إلى التضييقات التي يتعرض لها الناشطون النقابيون في القطاع الحكومي، يأتي قرار وزارة التنمية بتجميد حساب جمعية الممرضين مُتسقاً مع مجمل هذا النهج الذي يثير القلق على مصير الحريات العامة، خاصة حرية التنظيم المهني والنقابي وحرية العمل المطلبي السلمي والمشروع. تزداد الحاجة إلى تفعيل آليات الاحتكام للقضاء في القضايا المثارة في المجتمع الآن، من أجل الحد من السلطات التقديرية لأجهزة السلطة التنفيذية، والتي تُظهر التجربة أنها كثيراً ما تأخذ الشكل الضاغط كما هو واضح في تعميم ديوان الخدمة المدنية وسواه من قرارات وتدابير، ففي هذا الاحتكام تكريس لفكرة احترام القانون ومؤسساته. كما أن القضاء معني بالانتصار للحقوق الدستورية للمواطنين وللناشطين النقابيين ومن هم في حكمهم، ومن هنا ندعم لجوء جمعية التمريض، كما جاء على لسان رئيستها رولا الصفار، باللجوء للقضاء مستندة في ذلك على دعم ومؤازرة جمعية المحامين.
صحيفة الايام
17 سبتمبر 2008