رغم أن كلمة (الاستغلال) كريهة، فإنها تمثل علاقة اقتصادية موضوعية، مُنتجة رغم ذلك، إذا أزلنا اللافتات الأخلاقيةَ الشكلية، لكن الاستغلال حين يتجاوز القوانين الإنسانية العالمية، ويصير استغلالاً بشعاً، يغدو مخرباً للأرض الاقتصادية ويشبه حرق الحقول. والعديد من أرباب العمل في الخليج استفادوا من غياب بُنى اقتصادية عريقة وغياب القوانين الدقيقة في صياغة الظاهرات الاقتصادية المعاصرة، فاهتبلوها فرصة في تجميع الثروات السريعة على حساب الأرض والمياه والإنسان. فالعقود غير دقيقة في صياغتها لحقوق العمال، والموردون يجلبون العمالة بمبالغ ويؤجرونها لتدفع الريع الإقطاعي لهم، فيما يذهب العمال إلى أرباب العمل ليقدموا لهم قوة عملهم ليحصل هؤلاء على الربح. فالعلاقة الإقطاعية تسبق العلاقة الرأسمالية، مثلما هي جذور النفط، فليست هناك علاقة مباشرة بين الأجير وصاحب
العمل، وهذا ما يوجد الفئة الإقطاعية، التي تؤسسُ نظامَ الكفيل، ذا الطابع السياسي، الذي هو دخيل على العلاقات الاقتصادية الرأسمالية (الحرة). وتزداد شرائحُ الإقطاع هنا، ممثلةً عمليات التداخل بين أجهزة الدول والمصالح التجارية؛ فيجري استقدامُ عمالٍ وتوزيعهم في المجتمعات من دون وظائف محددة، وإجبارهم على السكن في مكان معين، ويغدو الاستئجار عدواناً على الأجر، ويغدو الجوازُ رهينةً في مكتب الكفيل. وحين تغدو العلاقة بين رب العمل المُفترض والعامل غامضةً، غير عصرية، تنفتح أبوابُ العلاقة بين النخاس والعبد، بين النوخذا والبحار، بكل جذورها وظواهرها. (باعت عائشة مصوغاتها الذهبية الخاصة بالزواج لتدفع 200 دولار لمهرب كي يجد لها وقريبتها عملا في (إحدى دول الخليج). وبعيداً عن قريتها في أُوزبكستان أُجبرت على العمل في صالة ديسكو وكان يتوقع ان تمارس الدعارة. وضربها صاحب العمل الاوزبكستاني حين ابعدت زبائن محتملين مما دفعها للهرب مع قريبتها حيث اختبأتا في دورة مياه في المطار ليومين لم تشربا خلالهما الا ماء الصنابير. وتـُقدر الارباح من الاتجار في البشر بأنها تزيد على 30 مليار دولار نتيجة خداع نحو 5،2 مليون نسمة لاجبارهم على أعمال قسرية بما في ذلك الاستغلال الجنسي والزيجات القسرية أو دفعهم لتقديم اعضاء أو الاتجار في الاعضاء في السوق السوداء. وذكر تقرير لمنظمة العمل الدولية في عام 2005 ان نسبة صغيرة نسبياً من جرائم العمالة القسرية، 260 الف شخص، تقع في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ولكن معظمها، 230 ألفا، نتيجة عمليات تهريب، (من مواد مؤتمر الاتجار بالبشر الذي عُقد بالدوحة). ويشير تقرير عن مؤتمر عـُقد في أبوظبي عن العمال المهاجرين: (ومازالت النظم الاقتصادية المزدهرة لدول الخليج التي تجني فوائد أسعار النفط القياسية بأمس الحاجة للعمالة الرخيصة الماهرة وغير الماهرة من شبه القارة الآسيوية، ولكنها تواجه منافسة متزايدة من الدول الأخرى التي تحتاج إلى العمالة الآسيوية حسبما قاله مندوب سريلانكي كبير. وقال كينجسلي رانواكا مدير المكتب السريلانكي للتوظيف الخارجي : «فيما يتعلق بالرواتب، توجد دول أخرى تبحث عن نفس الفئات من المهارات.. وإذا كانوا ]العمال[ جيدي التدريب، فإنهم لن يسافروا إلى دول الخليج بسبب الرواتب«.
وأشارت دراسات إلى أن الفجوة بين الأجور في دول الخليج وبعض النظم الاقتصادية الآسيوية القوية يتم ردمها بسرعة، مما خفف جاذبية السوق الخليجي بالنسبة إلى العمال المهرة). (وشارك في المؤتمر الداعية الاسلامي الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي اكد أن الاتجار بالبشر يعتبر من المحرمات ومن كبائر الاثم والفواحش. وأشار القرضاوي الى ظاهرة العمال المغتربين الذين تأتي بهم الشركات وتعطيهم الحد الادنى من الاجور وتضعهم في غرف كأنهم (أغنام في زريبة) مؤكداً ان هذا يندرج تحت ظاهرة استغلال البشر، (مؤتمر الدوحة السابق الذكر). ومع تغييب العلاقات القانونية الإنسانية بين العمال وأرباب العمل يتم جلب العمالة الهامشية الهائلة الأعداد التي تـُلقى في أي موقع، ويتم أخذ (ريع) منها بشكل شهري، لتعمل في المتاجر أو محلات الحلاقة والخضروات واللحم وأي شيء آخر يخطر في بالك. تقدم جريدة عكاظ السعودية تحقيقاً عن العمالة البنغلاديشية في الحجاز فتذكر ان عددها يصل إلى 8،1 مليون عامل في السعودية ككل، يحولون 14 مليار ريال سنوياً، فالعمالة الرثة منها تحصل على أجر يبلغ 350 ريالاً شهرياً، ويتشاركون في السكن والطبخ، وتجد بعضهم يعمل في بيع البطاطا المقلية، أو بيع المساويك على المساجد! ويفتحون دكاكين صغيرة لبيع البطاريات والمسجلات أو يعمل أحدهم حارساً للعمارة ويغسل سيارات السكان ومنه أجره!
صحيفة اخبار الخليج
16 سبتمبر 2008